الحرب على الإرهاب يصعب تلمس جوانبها، خصوصاً إذا ما علمنا أن الغموض يكتنف معظم تلك الجوانب، وذلك للسرية التي يتعامل بها الإرهابيون أو من الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحته، ولا يخفى على المتابع غياب الكم الهائل من المؤشرات والمعايير التي توضح مدى التقدم أو عدمه في القضاء على فلول الإرهاب من الناحية الفكرية كخطوة أولى وفعلياً كمرحلة تالية، ويمكن تلمس بعض المظاهر التي تشير إلى اندحار الإرهاب في السعودية، ولكن يتبادر إلى الذهن أن بعضاً من شباب البلد لا يزالون يُقدمون قرابين لتلك الحرب، كما أن مسار مكافحة الإرهاب الفكري لا يتوازى وحجم مشكلته الكبيرة التي تعاني منها كل المجتمعات التي تنشد التطور والتقدم. لا يمكن إنكار جهود وزارة الداخلية في معالجة ظاهرة الإرهاب وفق توجيهات وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، ونائبه أحمد بن عبدالعزيز، ومساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية والفاعل الحقيقي والمخطط الواعي محمد بن نايف، ويجدر القول إن وزارة الداخلية لديها إستراتيجية إلا أنها تتمحور حول ما يمكن أن يطلق عليها"فرعية"أي أنها تكافح أسبابه ومظاهره ونتائجه، ولا يمكن أن نغفل أهم جوانب معالجة الإرهاب واجتثاثه من جذوره، وهي ما يمكن تسميتها"المعالجة الفكرية"، وهذه المعالجة تستدعي التواصل المباشر وغير المباشر، حتى نخلص إلى هدف مهم وهو التأثير الجمعي في طوائف المجتمع كافة، من أجل أن نؤسس لاتفاق مشترك حول الإرهاب والقضاء عليه، ويمكننا القول إن تفهم المجتمع وتكامله مع الجهد المبذول والواضح لوزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية المختلفة سيؤدي حتماً إلى القضاء على الإرهاب. ويمكننا التحدث بصراحة وبشفافية حيال"المعالجة الفكرية"، ونقول إنها غير مفعلة التفعيل الشامل الذي يجعلها مؤثرة تأثيراً متكاملاً ومتجانساً، لاعتمادها ربما على جهد فردي غير منضبط، وهذا بدوره أدى إلى أن ذلك الجهد يفتقر إلى أطر تمكن من التصدي لظاهرة الإرهاب، ولعلنا نشير هنا إلى ما تقوم به لجنة"المناصحة"من خطوات قاصرة لا ترتقي إلى المؤمل والمرجو منها، حتى لو قيل إنها طلبت طرقها وأساليبها من دول عدة، فهذا لا يعني نجاحها. تحتاج وزارة الداخلية إلى إيجاد طرق وأساليب ترتكز على تفكير وتخطيط بعيد المدى للوصول إلى تناغم وتفاهم وبناء جسر بين المخططين لرسم سياسة محكمة للقضاء على الإرهاب الفكري قبل الأمني - الذي نجحت فيه نجاحاً باهراً - وأعتقد جازماً أن هذا هو المطلوب تفعيله حالياً، فليس مهماً الإعلان بين الفينة والأخرى عن إلقاء القبض على ثلة من الفئة الضالة، لأن الفئة الضالة وأعوانها يعملون بصمت لتجنيد شباب البلد وإرسالهم جثثاً إلى حيث لا يعلمون، وليس ببعيد ما أعلنه المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية عن المجموعة التي تم القبض عليهم وفيهم أطياف من مجتمعنا ومن مجتمعات قريبة وبعيدة عنا، لأن الأهم هو أن تكون الجهود متماثلة في ما بين الوزارات والجهات الحكومية وكذلك المجتمع، كما يجب أن تتكامل جميع المسارات مع بعضها البعض، وعلى المستويات نفسها"الأمنية والفكرية"، ومتى ما توحدت الجهود وتكاملت"الرسمية والأهلية"فبالتأكيد يمكن القول إن نعش الإرهاب في بلادنا شُيع إلى مثواه الأخير. بالتأكيد هناك إستراتيجية لمكافحة الإرهاب تعمل من خلالها الأجهزة الأمنية المعنية بمعالجته والقضاء عليه، وهذه الاستراتيجية تنبعث منها استراتيجيات فرعية تعالج أسبابه ومظاهره، ومن دون أي جدال أن المسار الفكري هو أهم هذه المسارات، لذا يستلزم الربط بين أشكاله وأنواعه كافة من أجل خلق نوع من التأثير الجماعي الإيجابي على المجتمع، حتى نوجد صيغة مشتركة حيال الإرهاب وأسباب حدوثه والنتائج المترتبة عليه، وأسلوب وطرق معالجة انتشاره، والقضاء على جميع أشكاله وصوره. إن وزارة الداخلية هي الوحيدة والمنفردة الظاهرة في أفق مكافحة الإرهاب فكرياً وأمنياً، ولم يتلمس المتابع أو المواطن الجهود الفكرية للوزارات المعنية الأخرى للسير في طريق القضاء على الإرهاب، إلا مشاركات تقام على استحياء مثل تنظيم مؤتمر تنتهي أحداثه بانتهاء أيامه، فمثلاً لوزارة التربية والتعليم دور مهم وحيوي لا يمكن إغفاله، فبإمكانها تثقيف الطلاب والطالبات عن مخاطر الفئة الضالة وفكرها الذي ينتشر بين المعلمين المتشددين وغير الواعين لخطورة الفئة الضالة وأفكارها، وهؤلاء المعلمون بدورهم يؤثرون بالطلاب سلباً، وكان بإمكان وزارة التربية والتعليم إقامة المحاضرات والندوات في مدارس الطلاب والطالبات، إضافة إلى توزيع الأفلام والبروشورات التي تسهم في خلق جو من الطمأنينة في قلوبهم، وتنورهم التنوير المؤدي إلى رفض فكر الفئة الضالة، أيضاً تفتقر وزارة التعليم العالي للإستراتيجية المنظمة الواضحة، وربما جهدها غير ملموس على أرض الواقع، فلا يكفي أن تقوم إحدى الجامعات برعاية مؤتمر يتحدث فيه المتحدثون ثم تطوى صفحاته، فطلاب الجامعات من المهم تثقيفهم التثقيف الواعي المنضبط عن كل فكر لا ينسجم مع تعليمات الشرع، والرئاسة العامة لرعاية الشباب جل ما تفعله هو تنظيم إقامة مباريات كرة القدم، وأهملت الشق التنويري لشبابنا، على رغم إمكاناتها الكبيرة، ووجود اللاعبين المشهورين الذين يمكن إسهامهم في التوعية عن مخاطر الإرهاب، وفكر الفئة الضالة، وكل الأفكار الهدامة، وزارة الثقافة والإعلام انحصر دورها في نشر مواعيد بعض الفعاليات التي تقام على استحياء، وأماكن إقامتها وتصوير وبث أجزاء بسيطة عن تلك الفعاليات، ولعلها بعد إنشائها لبعض القنوات الفضائية أخيراً تواكب الحدث وتهتم به وتبرزه بشكل ملائم، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد هي الأخرى لها دور مهم وفاعل من خلال خطباء المساجد بعد تثقيفهم وتنويرهم في كيفية مخاطبة الناس وانتقاء المواضيع الملائمة للحديث لهم بطريقة وأسلوب سهل بحيث تصل الفكرة لأكبر عدد منهم. محمد بن صالح الجارالله - الرياض [email protected]