لو بقي الصينيون عقوداً يدافعون فيها عن جودة منتجاتهم، على رغم اتهامات المستهلكين أنهم بلد يصدر المنتجات التقليدية، لما تحقق لهم ذلك، مثلما استطاع صحافي صيني أن يغير هذه النظرة خلال زيارته إلى السعودية مع وفد صيني تجاري يضم 30 من رجال الأعمال و70 مسؤولاً حكومياً، فقد وقف الصحافي الصيني في المؤتمر الذي عقده رئيس مجلس إدارة غرفة الرياض عبدالرحمن الجريسي قبل أسبوعين، وأمام الاتهامات التي أطلقها رئيس الغرفة تجاه الصناعات الصينية بأنها غزت الأسواق بمنتجاتها المقلدة والرخيصة، هذا الكلام حرك في داخل الصحافي الصيني غيرته لبلده وأيضاً لم يتوان في إظهار الحقيقة الغائبة عن المستهلكين، الذين بقوا لسنوات يوجهون اللوم الى المصانع والشركات الصينية التي تصدر هذه المننتجات إلى الأسواق السعودية أو الخليجية، فوقف الصحافي أمام الجميع وقال:"هناك جهات في الصين تلخص المشكلة وهي بحث بعض التجار السعوديين عن المنتجات الرديئة واتجاههم للمصانع البدائية في القرى والأماكن الفقيرة لإنتاج تلك البضائع التي لا يقبل بها حتى المواطن الصيني، وذلك لقبول تلك المصانع في الأماكن الفقيرة إنتاج هذه البضائع التي تفتقر للجودة". ويضيف الصحافي الصيني الشجاع أن"الجميع في الصين يعرفون هذه الحقيقة وعدم تأثيرها على سمعة البضائع الصينية عالية الجودة، على رغم ما تتمتع به من سمعة سيئة في المملكة والتوجه نحو تسمية البضائع السيئة والرخيصة بالصينية". طبعاً كلام الصحافي الصيني، على رغم أنه مختصر وقليل إلا أنه أوصل لنا رسالة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، ولا أظن أن الصينيين هم الذين يدخلون البضائع أو المنتجات الرديئة الى أسواقنا من تلقاء أنفسهم، بالتأكيد هناك مؤسسات ورجال أعمال سعوديون هم الذين يهمهم أن تدخل هذه المنتجات، فكيف نلوم الصينيين أو الكوريين أو حتى دولاً أخرى بأنها تعبث بأسواقنا! من غير المنطق أن نلوم هذه الدول ونغيب عن توجيه أصابع الاتهام إلى رجل الأعمال السعودي الذي يهمه أن يُغرق الأسواق المحلية بمنتجات رخيصة ورديئة، على رغم وجود ضوابط شديدة بالنسبة لدخول هذه المنتجات، سواء من إدارة الجمارك أو هيئة المواصفات والمقاييس ومراقبة الجودة، وجهاز مكافحة الغش التجاري، ومع ذلك تتسلل إلينا سنوياً ويقدر حجمها سنوياً بنحو 42 بليوناً، فهل يمكن أن نقول إن هذه الدول هي التي مررت إلينا هذه السلع من دون أن يعرف عنها رجال الأعمال شيئاً. أستغرب من مجلس الغرف السعودية خلال السنوات الأخيرة كانت تحركاتها لمواجهة المنتجات الرديئة والمقلدة التي غزت الأسواق، في اتجاهات مختلفة، كانت تتحدث مع الحكومات، ومع الوفود التجارية، كانت تشتكي حالها البائس وتضرر المستهلكين من هذه السلع أمام الوفود وكأن هذه الوفود التجارية التي تزور البلاد في يدها الحل، وأنها ستخشى على سمعتها، وتسارع في تحسين منتجاتها. هناك فرق بين التقليد وبين المنتج الرديء وبين السلع المغشوشة، ولا يمكن الجمع بينهما، وكل هذه السلع لها تجار وموردون وأسواق محلية، كيف تجاوزت كل الحواجز الأمنية الحكومية وكيف تم الفسح لها؟ أرجوكم لا تقولوا إن الصينيين هم الذين فعلوا هذا! معالجتنا لمشكلة التقليد كانت سطحية وغير جادة، وأسهم رجال الأعمال الذين يبحثون عن الثراء السريع والكسب المادي الفاحش في إغراق أسواقنا بهذه المنتجات، هل يمكن أن تخبروني، من أين أتت مساحيق الغسيل المغشوشة ومعاجين الأسنان المسرطنة، ومنتجات غذائية رديئة، وعلب الصلصة الفاسدة؟ الكلام الذي قاله عبدالرحمن الجريسي في المؤتمر الصحافي بمناسبة زيارة الوفد الصيني لم يضع إصبعه على الجرح وستبقى الحال على ما هي عليه ما دمنا نخشى مواجهة رجال الأعمال لدينا ولا نتعامل معهم بحزم، هل يمكن أن يخبرنا الجريسي كيف سيرصد المخالفات بشأن الصادرات الصينية، وكيف سيضع قائمة للموردين والمصدرين؟ في الوقت الذي لا تزال فيه وزارة التجارة غير قادرة على معاقبتهم أو رصدهم أو حتى مواجهة أزمة التقليد؟ قبل عامين أذكر أنني قرأت خبراً ظللت أضحك منه لفترة ليست قصيرة، يقول الخبر: إن مجلس الغرف السعودية وقع اتفاقاً مع الصين للحد من استيراد وتصدير السلع الصينية المقلدة! بالله عليكم هل يمكن أن توقع حكومة مثلاً أنها لن تصدر سلعاً مقلدة أو مغشوشة؟ اسألكم سؤالاً: هل يعرف الصينيون بأنواع الأشمغة والعقال والثياب التي نلبسها؟ أو حتى أقمشة العباءات النسائية؟ هل يعرف الصينيون حاجات أسواقنا الاستهلاكية من دون أن يحددها الطرف السعودي؟ ربما يكون كلام الصحافي الصيني صحيحاً وهو: لماذا يذهب رجال الأعمال لدينا الى الأماكن والمصانع والشركات التي تنتج السلع الرديئة والمغشوشة؟ وإذا كان بالفعل الصينيون أغرقونا بسلعهم المقلدة، فلماذا لم نجد تحركاً من تجارنا الأفاضل لرفع شكوى تضرر، أو المطالبة بتعويضات لم نسمع عن أي شكوى من رجل أعمال سعودي ضد شركات صينية في مجال التقليد أو الغش التجاري، مثلما أقام الهنود الدنيا ولم يقعدوها حينما أغرقت المنتجات البتروكيماوية السعودية أسواقهم؟ وحتى الآن لا تزال القضية منظورة جمّدت ولم تُلغَ. مشكلة التقليد وإغراق الأسواق بالمنتجات الرديئة موجودة بيننا، وسط رجال أعمالنا الذين يجوبون الدول والمصانع والشركات بحثاً عن هذه المنتجات، ليس هذا فحسب، بل إنهم أقاموا مصانع للتعبئة والتغليف والطباعة هنا في مدننا وأحيائنا الشعبية، مستغلين العمالة الرخيصة. والحل الوحيد لهذه المشكلة أن نضع قائمة واضحة على مواقع وزارة التجارة بأسماء الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال الذين يتاجرون بصحتنا ويلهثون خلف الكسب المادي السريع بتوريد منتجات رديئة ومغشوشة، وإشهار أسمائهم وإعلانها في وسائل الإعلام من دون تردد أو خوف، ومن غير المعقول أن يدفع المستهلكون مبالغ عالية في ظل ارتفاع الأسعار للسلع الاستهلاكية، مع منتجات كهربائية أو سلع لا تدوم طويلاً أو أنها تتلف بسرعة، ونبقى تدفع أضعاف قيمتها الحقيقية في قطع الغيار والإصلاح. ولن تفيد مؤتمراتنا الصحافية، أو تشكيل وفد لزيارة الدول التي تصدر لنا هذه المنتجات، ما لم نبحث بيننا عن هذه الشركات التي تدس لنا السم في المنتجات الرخيصة. كنت أتمنى أن نقلد الصين في تجربتها الصناعية والاقتصادية، لا أن نقلد صناعتها الرخيصة في أحيائها الفقيرة. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]