أهاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالعلماء المشاركين في المؤتمر الدولي للتجمعات والحشود الذي افتتحت أعماله أمس السبت في جدة، أن ينبثق عن هذا المؤتمر مفهوم جديد وتخصص حديث يعنى بطب الحشود والتجمعات البشرية، ينطلق من أرض الإنسانية ومهبط الوحي، المملكة العربية السعودية. وقال وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة في كلمة ألقاها نيابة عن خادم الحرمين:"أحمل لكم تحيات وتقدير خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، الذي كلفني بأن أنوب عن مقامه الكريم في افتتاح هذا التجمع المهم، وشرفني بإلقاء كلمته رعاه الله. الضيوف الكرام، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرحب بكم في هذا التجمع العلمي المهم الذي يعنى بالدين والعمل والإنسان والمجتمع، ويشرف المملكة العربية السعودية أن يُعقد هذا المؤتمر الحيوي على أرض مملكة الإنسانية في مدينة جدة، وفي الأيام المباركة التي نستقبل فيها موسم الحج العظيم". وتابع:"لقد تشرفت المملكة العربية السعودية بخدمة الحرمين الشريفين، واستقبال ضيوف الرحمن في مواسم الحج والعمرة، ولقد حرصنا على توفير الإمكانات والموارد الكبيرة لضمان راحة الحجاج والمعتمرين لأداء مناسكهم بكل يسر وسهولة". وزاد:"إن مواسم الحج والعمرة تمثل أهمية كبرى للمملكة العربية السعودية، وتدرك ما يصاحبها من تجمعات وحشود بشرية لأكثر من 160 دولة، لذا اُعتمدت مبالغ ضخمة لتوسعة الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة، تنفذ بطرق علمية مدروسة لتجنب الأخطار التي تصاحب هذه التجمعات الدينية العظيمة، ونظراً إلى أن أعداداً كثيفة تؤدي المناسك في الحرم المكي، وجسر الجمرات في أوقات محددة، فقد وجهنا بإنجاز توسعة كبيرة في تلك المشاعر المقدسة حرصاً على راحة ضيوف الرحمن الكرام. ولما كانت مكةالمكرمة قبلة لما يقارب بليوني مسلم من شتى أنحاء المعمورة، ولأن وقتها يترقبه العالم أجمع، حرصنا على أن تكون ساعة مكةالمكرمة والتي ستكتمل بإذن الله في حج هذه العام مرجعاً للوقت لكل المسلمين والعالم أجمع". وأضاف:"لقد وضعت المملكة العربية السعودية صحة الحجاج والمعتمرين في مقدمة اهتماماتها، إذ كُلفت وزارة الصحة بإنشاء الكثير من المستشفيات والمراكز الصحية التي تم تجهيزها على أعلى المستويات للوفاء بحاجات ضيوف الرحمن في هذه المواسم، وأصبحت المنظومة الصحية التي خصصت لطب الحشود والتجمعات البشرية تمتلك خبرة علمية فريدة على مستوى العالم. ومن هذا المنطلق وجهنا باستضافة أول مؤتمر في العالم يعني بطب الحشود والتجمعات البشرية بمشاركة معظم المنظمات والهيئات الدولية المتخصصة لتطوير هذه الكلمة هذه الخبرة لتفيد قاصدي الحرمين الشريفين، ولجميع التجمعات البشرية في العالم، إيماناً منا بأهمية التكامل والتعاون بين علماء العالم لخدمة البشرية بصرف النظر عن الدين أو اللون أو الجنس أو الانتماء أو العرق". إلى ذلك، كشف عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن السويلم استفادة البيت الأبيض الأميركي من تجارب السعودية في إدارة الحشود والتجمعات في تنظيم حفلة مراسم تنصيب الرئيس الأميركي باراك أوباما. وقال خلال جلسات اليوم الأول ل"المؤتمر الدولي للتجمعات والحشود"الذي افتتحت أعماله أمس السبت في جدة:"أخذ المسؤولين في البيت الأبيض خلال تنصيب"أوباما"تجارب الحج، وشاهدوا كيف تدار هذه الحشود بغض النظر عن طبيعة الوضعين، وكذلك الوقت والزمان واختلاف شرائح الموجودين". وأكد السويلم أن المؤتمر فرصة جيدة لكل الكوادر العاملة في شؤون الحج للاستفادة من أسلوب وطريقة التفكير في إدارة التجمعات البشرية، وإطلاع المسؤولين والخبراء على حجم التجمع البشري في الحج وخبرة السعودية في هذه المناسبة الدينية وإدارتها للخدمات التي تقدم لضيوف الرحمن، لافتاً إلى استطاعة المملكة في التغلب على الكثير من الحوادث والمشكلات التي وقعت في السابق، إذ أصبح لدى العاملين في القطاعات المختلفة الكثير من الخبرات الثرية والانفتاح على العالم في تقديم الخدمات الصحية والتسهيل في انسيابية الحج من أجل الحجاج. وأشار إلى أن المملكة قد تستفيد من الخبرات المطروحة إلا أن استفادة الموجودين من خبرة المملكة هي الأهم في الدرجة الأولى، لدرجة أنه إذا طلب من أحد الخبراء في التجمعات البشرية أن يأتي للعمل في إدارة الحج قد يصدم بما سيراه إذ سيجد الكثير من القطاعات العاملة وعلى رأس العاملين في إدارة تلك الحشود خادم الحرمين. وأضاف:"إن خادم الحرمين الشريفين حريص على تنفيذ مشاريع تسهل خدمة الحجاج وخدمة هذه الحشود التي تجتمع في مكان وزمان واحد في يسر وسهولة، ولعل إنشاء جسر الجمرات واحد منها، إذ تم رصد موازنات من أجل أن يكون هذا المشروع صورة واقعية لما تنفذه الدولة من أجل خدمة هذه التجمعات البشرية، ولدينا من التجارب والخبرات ليس فقط في إدارة الحج وإنما في إدارة النواحي الصحية وهو ما نفخر بتقديمه لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة". وفي المؤتمر، أشارت الخبيرة في مستشفى"ون ثروب"في اسكتلندا الدكتورة كانت أحمد، إلى أهمية أخذ التدابير والإجراءات كافة لقيادة التجمعات والحشود البشرية في الكثير من الدول، والحج أحد التجمعات البشرية التي تدار بكفاءة عالية، مشيدة بالخدمات المقدمة من الحكومة السعودية لهذا التجمع السنوي الذي يصاحبه وعي كبير بالنسبة للصحة العامة. وأبانت أن إدارة الحشود البشرية عملية"سيكلوجية"تعتمد على القدرة ومعرفة السلوكيات الحضارية وتنفيذ المشاريع التي تضمن أداء هذه الخدمات، مبينة أن طب الحشود والتجمعات البشرية يعد من الأمور المهمة من أجل تقديم الخدمة لحظة وقوع أي طارئ يتطلب الإنقاذ، مضيفةً أن السعودية رائدة في مجال الصحة العامة وهي تؤدي دوراً مهماً على المستوى الإقليمي والدولي، وأن تجربتها في الحج أكبر نموذج لهذا الدور. أما الخبير الدولي في مركز التحكم بالأمراض الوقائية في أميركا كورناد هياشي فقال:"إننا نمارس منذ فترة طويلة نوعاً من الرقابة البيئية قبل انتشار الأمراض العادية، المستوطنة، الوبائية، وفي هذه الفترة نعمل على المخاطر المنطوية عن تفشي"أنفلونزا الخنازير"في بعض مناطق العالم ما يشكل خطراً خصوصاً في مناطق التجمعات البشرية خوفاً من انتشار"الفيروس"، كما نعمل على فرض الرقابة على بعض الأمراض التي يتعمد نشرها مثل"الجمرة الخبيثة"التي تصيب الجهاز التنفسي وتنتقل من طريق الاحتكاك والملامسة". وركز هياشي على وجود تحديات من بعض الإشاعات التي يصدرها بعض الأشخاص في مثل هذه التجمعات حول الأمراض ما يتسبب في التشويش على الحشود البشرية، لافتاً إلى أنه يمكن التقليل منها بالتوعية من طريق وسائل الإعلام والإنترنت، والتصدي لها حتى لا تؤثر على هذه التجمعات وحدوث القلق والتوتر على النواحي الصحية، ونصح بأهمية اتخاذ الإجراءات الصحية للحجاج قبل قدومهم، إذ إن كثيراً من الحجاج يأتون وهم مصابون ببعض الأمراض، داعياً إلى أخذ الحيطة والحذر من المصابين، إذ إن هذه الأنظمة الرقابية هي التي تساعد على إضفاء الأمن الصحي في مثل هذه التجمعات. من جانبه، عد وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية رئيس الإدارة المركزية للمشاريع التطويرية الدكتور حبيب زين العابدين الحشود والتجمعات البشرية في الحج من أكبر التجمعات في العالم، وأنموذج لمستقبل طب الحشود والتجمعات البشرية وخصوصاً في منطقة الجمرات، متطرقاً إلى الأمثلة العملية فيما يتعلق بالحشود حول جسر الجمرات والجهود التي بذلت لمنع أي حوادث أو اختناقات، إضافة إلى الحشود البشرية في المشاعر، مبيناً أن السعة المقدرة لاستيعاب هذه الحشود من الحجاج ليست كافية وذلك بسبب ضيق الوقت في أداء الشعيرة، وهذه الكثافة البشرية التي تتحرك في وقت وزمن واحد تمنع سيارات الإسعاف من تقديم الرعاية الصحية لأي محتاج مما يجعل الأمر صعباً على اعتبار أن هناك صوراً توضح تصرفات وسلوكيات فردية وعشوائية من بعض الحجاج من دون مراعاة لمشاعر الآخرين. ولفت زين العابدين إلى أن دخول الحجاج من مختلف الاتجاهات قاصدين منطقة الجمرات أمر لا يتصوره عقل، داعياً القطاعات المختلفة إلى حكمة التعامل معهم خلال تلك الأوقات، إذ إن الكثير منهم ليس لديهم الوعي باتباع الطرق السليمة لحماية أنفسهم. وأضاف:"من أجل التغلب على هذه المشكلات أعدت السعودية الكثير من الدراسات، واتخذت بعض الخطوات في إعادة تصميم الجسور الخاصة برمي الجمرات مستعينة باستشاريين من شركات عالمية هندسية لعمل البحوث والدراسات والخروج بتصاميم عالمية من خلال المهندسين والباحثين". ودلف وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى الحلول التي تمكنت من خلالها المملكة من القضاء على المشكلة بإنشاء جسر الجمرات الجديد المكون من ستة طوابق على مستوى واحد لرمي الجمرات يرتبط بنفقين لتسهيل عملية الخروج، يخدم كل طابق من هذه الطوابق الطاقة الاستيعابية التي صمم من أجلها، كاشفاً إنشاء عدد من العيادات التابعة لوزارة الصحة للحالات الطارئة، إلى جانب وجود مصاعد لنقل الحالات الخطرة ووجود فرق للإنقاذ، مضيفاً أن من أهم المشكلات التي تواجههم جهل الحجاج باللغة العربية إلى جانب بعض السلوكيات الخاطئة منهم، موضحاً أن اتفاقاً تم مع الدول لتوعية حجاجها حتى يتم التمكن من إدارة وتنظيم الحشود الهائلة.