يئن حي غليل ألماً:"إني أتنفس تحت الماء"، فيرد"قويزة"هلعاً:"إني أغرق"!، بينما تواصل أوركسترا"المهازل"عزف سيمفونية"المعاناة"على مسرح"المنكوبة"، في طقوس رثاء من كانت"عروساً"!. دبيب الخطى ودوران عجلات المركبة داخل"قويزة"يحتاج إلى"خارطة طريق"، إذ إن"سيول الفضيحة"أتت على أزقته وشوارعه حتى استحال البحث عن"دليل"ديدن الراغبين في سبر أغوارها. الذين سيهالهم منظر"الدمار"الذي أطبق سيطرته على جنبات الحي كافة، وستجول أسئلة عدة في بوادر آفاقهم الحائرة باحثة عن إجابة تشفي غرور جيوش الفضول التي ستطوقهم لا محالة، وتصدح بعلو صوتها:"لماذا خارت قوى قويزة سريعاً؟ ولم فشلت في تجاوز أول اختبار؟ بل ما سبب تأخر تطبيب وجهه الشاحب بعد أن غير ملامحه الأربعاء الأسود؟ وما هو سر تحول كل هذا الحزن والألم والاكتئاب والغضب إلى أمراض معدية تنتقل سريعاً من الأهالي المشغولين بسرد معاناتهم، أو إصلاح ممتلكاتهم إلى كل من يلج حيهم؟"، وحتماً سيعجزون عن الإجابة عنها، قبل أن يحاولوا ب"تثاقل"اجتياز مستنقع، يودعهم عند مخرج الحي. وفي قويزة، يسارع أصحاب المحال التجارية إلى ترميم معارضهم وإصلاح ما شابها من تلفيات وأضرار، بينما أثر الوضع غير"المشجع"داخل الحي على آخرين، هجروا محالهم. وعلى رغم مرور زهاء الشهرين على"الكارثة"، إلا أن الكثير من المنازل لا تزال مهدمة مهجورة، بينما تخيم غمامة الاستياء على السكان، من جراء بطء سير معاملات اللجان المشكلة لتبعات الفاجعة. خصوصاً أن غالبيتهم شكوا غياب لجنة التعويضات وإحجامها عن زيارة منازلهم، في حين أكد بعضهم عدم تسلم أي مبالغ تعويض حتى الآن، واستغرب آخرون عدم إدراج أسمائهم ضمن قوائم العائلات المستفيدة من الإعانات والسكن. وفي أحد أركان المنكوبة، تمرمر محمد الزهراني الذي انعكست تبعات"سيول العار"سلباً عليه، خسارة ل"ثلاث"سيارات، وأثاث"عش الزوجية"، الذي طالته سلسلة أضرار بدأت بتهدم جدرانه، وتكسر أبوابه، وانتهت بأضرار في التمديدات الكهربائية والصحية، خصوصاً أن وعود لجان الحصر والمعاينة التي شنفت أسماعهم ب"انتظروا، سنزور منزلكم قريباً"لم تصدق، ما أجبرهم على الإحجام عن العودة إلى المنزل"المتهالك"، ونمّا"معاناتهم"المستمرة. وفي زاوية متضررة أخرى، شوهد عبدالله المطيري مع عمال استأجرهم لإصلاح تلفيات كبيرة طاولت محله التجاري، الذي فقد قطع غيار سيارات تتجاوز قيمتها مليون ريال"على حد قوله"، إضافة إلى تلفيات أخرى طاولت منزله، فضلاً عن تغييب"الأربعاء المظلم"سيارته. بعد أن طال انتظاره صرف التعويضات،"لم نتلق أي اتصالات، لا ندري سبب تأخر صرف التعويضات"يقول المطيري ، قبل أن يقاطعه جاره سعيد السلمي قائلاً:"عصفت السيول بحياتنا، إذ هجرتنا عن منازلنا وأفقدتنا ممتلكاتنا، منزلي تضرر، وأثاثي سبح، وسيارتي اختفت، وسكنت في شقة بعيدة عن مقر عملي ومدارس أبنائي، وليس لدي أي وسيلة مواصلات، ولا زلنا ننتظر صرف التعويضات، علّنا نصلح منازلنا ونؤثثها من جديد، ونعود إلى حياتنا الطبيعة مرة ثانية، لكن متى؟". ولم تختلف الحال كثيراً في غليل، إذ إن الدمار"حاضر"، المعاناة"متجلية"، والانتظار"مستمر"، و"لوك"ألسنة السكان عبارات"سخط"و"شكوى"تنقم حالهم"المتردية"، وتشكو"تأخر"سير عمل اللجان. وأمام أحد مقار الدفاع المدني، أطلق مضحي الحارثي نظرة"شزراء"قبل أن يعبر بصوت"حاد"عن ما وصفه ب"التعامل السيئ"من اللجان الميدانية التابعة ل"مدني جدة". موضحاً أنها ألصقت عبارة"صالح للسكن"على منزله، من دون أن تعاين ما لحقته من أضرار وتصدعات وتشققات في الجدران، بعد أن رفض أعضاؤها الدخول إلى منزله على حد زعمه. قبل أن يتمتم بهدوء بجمل متضاربة حملت إيحاءات عزمه رفض قرار اللجنة، وتصعيد الموقف، حفاظاً على سلامة فلذات كبده، الذين تركهم في منزل أنسابه،"بعد أن طردنا من الشقق المفروشة، بناء على قرار اللجنة بصلاحية منزلي المتهالك للسكن، ولم يعد لنا مأوى". وبعيداً عن كل ما"قيل"و"يقال"، تتجلى حقيقة"المهزلة"في تغييب الكارثة ل"طفولة"فيصل السهلي 12 عاماً ، الذي يستوقف المارة منظره، قبل أن تجذبهم نداءاته. إذ إن تكالب ويلات الزمان على والدته الأرملة، أجبره على تنظيف الأدوات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية التي جففها بعد انتشالها من"سيول الأربعاء"التي غزت منزلهم، حيث ينظفها على قارعة الطريق، قبل أن ينفذ طلب والدته ببيعها،"ولو بثمن بخس"لتأمين قوت يوم شقيقاته السبع، اللائي بنين أحلاماً وردية على مبلغ التعويض"المنتظر"!.