الكل منا يتذكر ما حدث بين زعماء التيارات الإسلامية في أفغانستان بعد أن نجحت تلك القوى الإسلامية بمساعدة دول غربية وإسلامية من إخراج القوات السوفياتية من الأراضي الأفغانية، لقد كشفت تلك التجربة للعالم بأن القيادات الإسلامية في ذلك البلد لا تختلف كثيراً عن أي قوى سياسية أخرى في عالمنا الثالث، فبعد التحرير وطرد الغزاة بدأت حرب داخلية بين الفصائل الأفغانية دمرت ذلك البلد أكثر مما تعرض له من تدمير على يد القوات السوفياتية، حيث أصبحت كل مجموعة من تلك الفصائل تدعي أنها هي من يمثل الإسلام الخالص، وعمت أفغانستان فوضى عارمة مهدت الطريق لظهور حركة متشددة هي حركة طالبان، التي كانت تنشر الأمن والاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها مما زاد وبشكل لافت في انتشارها وإحكام قبضتها على اغلب الأراضي الأفغانية. الأحداث الأخيرة في غزة تعيدنا إلى ما جرى في أفغانستان من حرب بين الإخوة وهم متحدون في صراعهم مع العدو الرئيسي، أما في غزة وما جرى بين التيارات السلفية الجهادية وبين حركة حماس، فهو صراع على السلطة أخذ شكلاً دموياً يظهر أن التيارات الإسلامية مهما ادعت القدسية وأنها تطبق الإسلام الحق فإن الإقصاء هو ديدنها مهما ادعت، ليس فقط ضد التيارات العلمانية أو الليبرالية ولكن ضد تيارات إسلامية تتناغم معها في الكثير من الرؤية السياسية، يطرح البعض أن ما قامت به"حماس"من عمل دموي ضد تلك التيارات المتشددة هو بسبب التغير الذي تم في حركة حماس بعد أن أصبحت مسؤولة عن قطاع غزة، وأنها تتحمل النتائج التي تقوم بها بعض الجماعات المتشددة، إضافة إلى ما خسرته حركة حماس نتيجة الحرب الأخيرة عليها مما جعلها تفكر بعواقب أعمالها، إلا أنني أميل إلى أن سبب الصراع في غزة هو بسبب السلطة والسيطرة، فنحن علينا أن ننظر إلى تلك الجماعات الإسلامية بأنها ليست بعيدة عن النزعة الإنسانية وقد تستخدم كل فرقة الإسلام كمبرر للقضاء على الآخرين، كما حدث داخل التيارات القومية العربية أو الشيوعية، فكثير من التصفيات تمت بين القوميين أو الشيوعيين باسم الخيانة والابتعاد عن المبادئ القومية أو الشيوعية، كما حدث في العراق أو في التصفيات بين الرفاق في اليمن الجنوبي، ولكن خطورة التيارات الإسلامية، سواء على مر التاريخ الإسلامي، أو في وقتنا المعاصر، أن التيارات المتشددة لديها مرجعية دينية آلهية لها مصداقيتها بين شعوب المنطقة مما يجعلها تلغي جميع التيارات الأخرى لأنها تتحدث وتنطلق من عملها باسم الدين مما يضفي القدسية على قياداتها وأتباعها حتى أن محاولة مناقشة برامج تلك الجماعات السياسية يعرض منتقديها للتكفير، أما في واقعنا المعاصر فإن الخطورة في رأيي تكون في سيطرة المؤسسات والجماعات الإسلامية على المؤسسات السياسية، فكثير من الدول العربية دخلت في أزمات داخلية وخارجية عندما وصلت التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم، فمثلاً السودان لا زالت تعيش حروباً داخلية بسبب النظرة الشمولية المغلفة بغطاء إسلامي تجاه عرقيات واديان داخل تلك الدول مما يعرضها إلى التفتت والانقسام، بل إن الجبهة الإسلامية الحاكمة هناك دخلت في صراعات سياسية وصلت حد التصفيات الدموية، بين قياداتها، أما على الجانب الشرقي من الخليج العربي فهناك إيران وما تجسده من مثال للدولة الثيوقراطية المطلقة التي ترى أن العالم كله ضال وهي من يمثل الإسلام النقي، حتى أن رئيسها أحمدي نجاد وصل إلى مرحلة من الاعتقاد انه على تواصل سماوي لتصحيح أوضاع العالم، أما في الواقع فإن الصراعات والاقصاءات والتصفيات تجري بتلك الدولة منذ الأيام الأولى للثورة، ولكنها مغلفة بخطاب ديني مقدس يصعب الوقوف في وجه من المعارضين لحكم رجال الدين. [email protected]