بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في نهاية القرن الماضي، وانتهاء حقبة من الصراع الدولي بين الشيوعية كأيديولوجيا مضادة للرأسمالية، إذ عاش العالم فترة من الحرب الباردة بين تلك القوى، إلا أنه يمكن القول إن العالم لم يكن بهذه الدرجة من الخطورة وعدم الاستقرار كما نعيشه في زمننا الحالي. عامل آخر حدث بعد انهيار المعسكر الشرقي بسنوات قليلة هو أحداث ال11 من أيلول (سبتمبر)، تلك الأحداث هي ما شكلت عالمنا اليوم ولعقود مقبلة، فمثلاً ما قام به الاتحاد السوفياتي من غزو وتورط في أفغانستان أثر على العالم أجمع، فمن ناحية الاتحاد السوفياتي فقد دخل في بلد صعب التكوين على أصعدة عدة، سواء الجغرافية أو الإثنية أو القبلية والمذهبية، إضافة إلى أن تلك الخطوة السوفياتية عجلت بانهياره من الداخل بسبب الفشل العسكري في أفغانستان، من ناحية أخرى في تلك الفترة ظهرت قوى مضادة للاتحاد السوفياتي تقودها الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفاؤها المحليون في أفغانستان، إضافة إلى الاستعانة بقوى إقليمية في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي، والغريب أن البدء الحقيقي والفعلي لما يُعرف بالإسلام السياسي والإسلام العنيف والمسلح بدأ في تلك البقعة، ما كان له آثار خطرة ومدمرة على العالم أجمع، عندما سقطت كابول بأيدي القوى الإسلامية التي بدأت القتال في ما بينها لأسباب سياسية، وليس كما كانت ترفعه من شعارات مقدسة سقطت في أول اختبار لها على أرض الواقع، وهذا نتيجة منطقية للعمل السياسي في كل حركة أو ثورة سياسية، فنحن نجد التصفيات بين الأجنحة في كل حركة سياسية عندما تصل إلى كرسي الحكم، ولكن الحال في أفغانستان تختلف بأن كل فصيل يدعي أنه من يمثل الإسلام الخالص، والنتيجة كانت دماراً لذلك البلد لم يشهده إبان فترة الغزو السوفياتي له. الأمثلة كثيرة على التقاتل والاحتراب بين التيارات الإسلامية في منطقتنا، سواء ما شهدته بعض الدول العربية في القرن الماضي، كما حدث في مصر أو الجزائر أو السودان، والمثال الواضح أمامنا هو ما يحدث الآن في الصومال، إذ الاقتتال على بلد لم يبق فيه شيء، إلا أن الغريب أن القوى الإسلامية المتشددة هناك وفي وسط تلك الفوضى لا تترك تطبيق رؤيتها المتشددة للإسلام على المواطنين، فمرة نقرأ تعليمات وتحريمات وتحذيرات للمواطنين الذين يحلقون لحاهم، أو منع مشاهدة مباريات كأس العالم مثلاً، أو الاستماع إلى الأغاني، مثل تلك القوى المتشددة لا ترى بأساً بإشاعة العنف والقتل من الأطفال والنساء إلا أنها تتشدد في مثل هذه الأمور ما يدعو إلى الاستغراب. الصورة في غزة لا تختلف كثيراً، فقبل فترة تم إحراق كازينو سياحي هناك ولم تحرك «حماس» ساكناً لمعرفة الدوافع والأسباب لمثل هذه الأعمال، ونجد التهليل للمايوه الإسلامي في شواطئ غزة، ما يدفع المرء إلى أن مثل هذه السلوكيات تأتي في أعلى قائمة سلطة حماس، فبدلاً من العمل الحقيقي لاسترداد الحقوق الفلسطينية نجدها تعمل على تأسيس دولة أو شبه دولة تحتضن التشدد والعنف باسم الدين الإسلامي. إن بعض القيادات السياسية في بعض الدول العربية، تسعى إلى التغيير أو الإصلاح إلا أن مثل هذه المشاريع لم تعد تحظى بتلك الوتيرة السريعة كما كان الوضع في السنوات الخمس الماضية، فالسؤال المطروح هل التغيير والتحديث أو الإصلاح في مجتمعات محافظة هو مطلب شعبي، أو القضية أن السياسي هو من يريد التغيير لاعتبارات دولية، أو أن من يدفع بذلك هي النخب السياسية والثقافية في الدول العربية، فمثلاً يورد الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، في كتابه «الوزير المرافق» بأن رئيسة وزراء الهند الماضية أنديرا غاندي أسرت له في إحدى زياراتها للمملكة أن حكومتها أقامت بعض السدود في بعض المناطق الريفية وقامت المعارضة بتأجيج الشعب الهندي، خصوصاً في الأرياف بأن الحكومة الهندية بذلك العمل نزعت الرحمة من المياه، وتقول إنها كانت تستخف بمثل هذه الادعاءات، وتضيف أنه وفي زياراتها لتلك المناطق كان السؤال المطروح لماذا نزعت حكومتك البركة من الماء، وتضيف أن التغيير هو ما تريده الشعوب وليس الحكومات، وليس كما حدث في إيران الشاه، أو تركيا أتاتورك، فأين نحن في العالم العربي من التغيير في ظل هذا الجنون من الإرهاب والعنف الذي يتم باسم الدين؟ [email protected]