قبل احتفال الروائي والناقد الايرلندي جورج برنارد شو بعيد ميلاده ال 20، حدّث نفسه قائلاً:"ليست أمامي سوى حياة واحدة لأحياها، ولن أضيّعها في وظيفة كتابية"، ثم أحرق كل الكباري التي تربطه بالوظيفة عام 1876 ورحل إلى لندن، ليبدأ اشتغاله بالأدب الذي درّ عليه ثروة طائلة، وحفر له اسماً مدوياً، ولكن قبل الثروة والشهرة، استمر يكتب تسع سنين كاملة بلا نجاح طائل، ومع ذلك صمم على أن يكرس جل وقته للكتابة، ومن العادات التي انتهجها من دون الحياد عنها، قراره كتابة خمس صفحات كاملة يومياً، سواء وجد في نفسه ميلاً للكتابة أم لم يجد، وهي العادة التي وصفها ببقايا التلمذة والوظيفة التي بقيت عالقة به، حتى انه كان إذا أنجز صفحاته الخمس المقررة، وقف عندها ولو لم يكن أكمل جملة مفيدة يحسن السكوت معها، وكتب في أثنائه تلك خمس روايات، وبعث نسخة من كل منها إلى دور النشر الانكليزية والأميركية، فكانت تقابل بالرفض، وفي أحسن الأحوال بدعوته لمعاودة الكرة ثانية، لتظل الحال على منوالها، ليس لمطعن في أسلوبه الأدبي، ولكن لتحفظ مع آرائه الجريئة، فكان يبلغ به الضيق مبلغاً أنه كان يتعذر أحياناً الحصول على طوابع بريد يلصقها على مؤلفه، ليرسله إلى دار النشر، فإذا قلنا ان مجموع إيراده من الكتابة خلال السنوات التسع الأولى تلك كان ستة جنيهات لا غير، لم نكن لنبالغ. كلمة أخيرة: تكاد قصص الناجحين تتشابك في نقاطها وتتقاطع، من بداية تعيسة وغير موفقة، إلى اعتراف العالم بما استودعوا، فهذا المغني العندليب في أول ظهوره ويقذف بالطماطم، وهذا المخترع العبقري ويوصم بالغباء، وهذا البليغ ويطعن في حروفه، فما الذي يحدث عادة حتى تنقلب الآية أو بالأصح تعدل الآية، ويعود كل ذي رفض عن رفضه، فنسمع لاحقاً بالمنبوذين أعينهم، وقد شقوا طريقهم على رغم الطماطم والشتائم؟ إنه إيمان الشخص بموهبته وقدرته وإصراره على بلوغ هدفه، مهما كلفه الأمر من جهد ومال وطول انتظار، مهما بكي وجاع وتلوى، فأين تكمن المشكلة؟ إنها تتكاثر في ثنايا اليأس والإحباط، اللذين يعتريان المرء من تكرار محاولاته بالنتائج نفسها غير المشجعة، فعندما تهزمك العراقيل وتقرر التوقف عن الاستمرار، هل وصل إلى علمك انك في تلك اللحظة بالذات قد تكون قطعت نصف المشوار أو أكثر منه بكثير! وبدلاً من أن تكمل ما تبقى، تقطع شريانك وتتأمل نزفك؟ ذلك أن الإنسان إذا وصل وسمعت الدنيا به، فتراه كان يملك دافعاً قوياً وعزيمة أقوى لا تعترف بالسقوط، وتعده رقماً في عدد المحاولات، وكل إنسان انهزم كان يحتاج إلى دعم خارجي ليواصل حلمه، ولما لم يجده انكمش وتراجع وقضى عمره يحكي عن المستقبل المتخيل، لافتقاده أهم شيء في الرحلة... قوته الداخلية. وقالوا:"معاودة الكفاح بعد الفشل تشير إلى معدن الرجال"... شكسبير. [email protected]