"الشاب أولى بالوظيفة فهو مسؤول عن منزل وأسرة..."... عبارة رددها مشرف مسؤول في أحد المستشفيات أمام فتاة سعودية، توارت أحلامها في تطبيق ما درسته لخمسة أعوام متتالية من دون فرصة لتطبيقه، فهي طالبة جامعية مختصة في قسم المختبرات، تخرجت منذ ستة أشهر كغيرها من نظيراتها على أمل الحصول على راتب مرتفع، في مجال طبي مهم ومطلوب لتصطدم بحقيقة أن هناك عدداً كبيراً من خريجات الدفعات التي سبقتها لا يزلن منتظرات للوظيفة المنشودة، ستغدو ربة منزل قسرياً، ليس لأنها اختارت ذلك، أو لأنها لا تملك مقومات امرأة عاملة تطمح إلى تحقيق ذاتها، بل لأن المجتمع لا يزال ينظر إلى عملها وكأنه ديكور إضافي وتسلية، فهي، بحسب تعاليم ديننا الإسلامي، لا ينبغي عليها أن تعول أسرتها، وإنما تجلس في منزل أبيها، ثم تنتقل إلى منزل زوجها سعياً منذ أول يوم للإنجاب لتحقيق ما يعتبرونه هدفها الوحيد في الحياة. هناك إقرار داخلي لدى العديد من الرجال في المجتمع بأن المرأة حتى وإن كانت متعلمة وطموحة، بل وبإمكانها أن تبرع في المجال أكثر من الرجل، فإن مكانها أولاً وأخيراً في المنزل، إذ تهتم بأولادها، فإن كان هناك خيار بين شاب جامعي وشابة جامعية متقدمين على الوظيفة نفسها فإن الشاب سيحصل عليها من دون شك، فهو سيصبح ذات يوم زوجاً وأباً وعليه أن يعيل أسرته. هذا الافتراض الذي لا يزال متغلغلاً في عقول الكثير في المجتمع السعودي يثير الدهشة، فنسبة"العنوسة"في ازدياد مستمر، مثل نسبة"الطلاق"، وفي الكثير من الحالات على المرأة أن تعيل نفسها، بل وفي الفترة الأخيرة، مع تدني الأجور المدفوعة، أصبح الرجل في المنزل غير قادر على أن يعتمد على راتبه فقط، فلا بد من راتب امرأته للمشاركة في أعباء المصاريف، بل هناك حالات متزايدة يتعدى فيها راتب الزوجة راتب زوجها الذي وافقت على الزواج منه على رغم راتبه المتدني. الرجال الذين يتذكرون جداتهم أو أمهاتهم القابعات في المنزل، ويقارنوهن بوضع المرأة التي تبحث عن وظيفة اليوم، لم ينظروا إلى الفرق بين الدرجة العلمية التي حصلت عليها المرأة الآن وما كانت تحاول الحصول عليه في السابق، أصبحت المرأة متفوقة في دراستها بل حاصلة على علامات تضاهي علامات الشاب السعودي، ولا تتوقف عند ذلك فحسب، بل تسعى في طلب الدراسات العليا وتحلم أن تكون الأفضل في مجالها. قد يكون من الأحرى للمرأة، إن لم تكن قادرة على تحقيق طموحها، أن تتوقف عن إكمال تعليمها والمكوث في منزل أبيها بانتظار الزوج المناسب، بدلاً من أن تتعلم لتصاب بالإحباط في ما بعد وعدم القدرة على تحقيق أحلامها. نداء أبو علي - الرياض [email protected]