رجل دميم الوجه، قبيح المنظر ذو عينين جاحظتين، وأنف أفطس كبير، ولكنه من أكثر من عرفتهم البشرية حكمة، إنه الفيلسوف اليوناني العظيم سقراط، المولود عام 470 ق.م، لأب نحّات وأم قابلة، عرفناه يعظ الناس قائلاً: الفضيلة هي المعرفة، والمعرفة هي الغاية التي يجب أن ينشدها الجميع، ولكي يصلوا إليها عليهم تبيان موضع الخطأ في معتقداتهم، ثم وبالتدريج تنقية هذه المعتقدات من الأفكار الخاطئة سبيلاً إلى الحقيقة الخالصة، تماماً كإزالة الشوائب والأتربة عن ألماسة مدفونة. إنه المنهج الذي سمي بمذهب"توليد الحقيقة"وعرف سقراط باتباعه. يقال إنه تطوع عام 404 ق.م في جيش أثينا عند نشوب الحرب بين بلاده وأسبرطة، التي انتهت بهزيمة أثينا بسبب خيانة أحد القواد ويدعى"الكبياوس"، وبسبب مؤامرات من عُرِفُوا تاريخياً باسم"الثلاثين طاغية"، وهم جماعة من الإرهابيين، كان سقراط في وقت ما على اتصال بهم وبالمدعو الكبياوس، حدث عندما هدأت الحرب، وعادت حكومة أثينا أن قُدِّم سقراط إلى المحاكمة بتهمتين ملفقتين: الأولى الكفر بالآلهة، والثانية إفساد عقول الشباب، فصدر حكم المحلفين بإعدام سقراط على رغم دفاعه البليغ، فأودع السجن انتظاراً لموته، وعلى رغم أن بعض تلاميذه استطاعوا تدبير السبيل لهروبه، إلا أن سقراط رفض هذا الحل المخادع، معتبراً جبن الرجل خطيئة لا تغتفر، ليأتي يوم تنفيذ الحكم، ويتجرع كأس السم، فيقضي نحبه وسط دموع أتباعه. كلمة أخيرة: رائع هو شعور المرء بعالميته، وخروجه من حدوده الضيقة إلى رحاب أوسع في أقواله وأفعاله، فيقول الشيء وهو يعلم أن صداه سيردده الفضاء والتاريخ، ويفعل الشيء وهو يعلم أن نتيجته قد تقع على أبعد إنسان يخطر في باله، فيعي المسؤولية المناطة به، فلا يتصرف وكأنه يعيش أبداً وبمفرده، يقول سقراط:"ليس العاطل من لا يؤدي عملاً فقط، العاطل من يؤدي عملاً في وسعه أن يؤدي أفضل منه"، ولا أدري ما هو رأي سقراط في من لا يؤدي عملاً على الإطلاق، وإذا فعل فإذا بعمله قد دمّر به نفسه والآخرين! وللمفكر الفرنسي جان جاك روسو رأي في سير حياة المرء يقول فيه:"في العاشرة لا يهتم الإنسان إلا بالحلوى، وفي العشرين لا يفكر إلا في من يعشق، وفي الثلاثين يلبي نداء الشهوات، وفي الأربعين تصبو نفسه إلى المطامع الكبيرة، وفي الخمسين يستميله المال، فمتى يطلب الحكمة؟"، إن نضج المرء في تأمله وإدراكه، والحكيم حقاً من يفكر قبل أن يتكلم أو يعمل، أما الجاهل فيتكلم ويعمل قبل أن يفكر وهنا تقع الكوارث، فإن فكر فأقدم فكان عمله خطأ، فالمشكلة حينها تكمن في الرأس الذي دبّر وليس في الآلية التي استخدمت، ولا يكون الإنجاز مميزاً إلا إذا تعلم صاحبه كيف يفكر أولاً... وكيف يتوسّع بأفكاره بحرية وارتقاء ثانياً. وقالوا:"انس نفسك إذا أردت القيام بعمل يذكره لك الناس بعد الرحيل"فولتير. [email protected]