ككل يوم، ما عدا الخميس والجمعة، فالخميس لنا والجمعة لهم، السيناريو يعيد نفسه، الصور تمر اليوم أمامي كما مرت بالأمس وقبله. استيقظت في تمام السادسة صباحاً أعلنها منبه موبايلي وجرس إنذار الساعة التي تقف على الثلاجة في مطبخ بيتنا وابنة الجيران الصغيرة التي بكت بصوت عالٍ معلنة رفضها أن تمشط شعر رأسها، فقد سجلها والدها في المدرسة القريبة من البيت، لتلتحق بالصف الابتدائي الأول منذ أيام قليلة، كل تلك الأصوات أخبرتني بأنه يوم جديد قد بدأ. استعددت سريعاً للذهاب إلى العمل، فالساعة 8:30 موعد إغلاق الحافظة، ولكنها بطريقة أو بأخرى وإرضاء لخاطر فلان(ة) أو علان(ة) يمكن أن تغلق في العاشرة أو في موعدها المحدد لها ولكن في اليوم التالي، المهم أمور شكلية لا أحد يهتم بها. كم أحن لتلك الأيام التي كنت فيها موظفاً رسمياً! بعد أن تناولت الفطور واقفاً أنصت إلى تلاوة أمي نصائحها المحفوظة عن ظهر قلب تحذرني من مكائد أولاد الحرام ومن السيارات المسرعة في الطرقات، يلحقني أخي إلى باب شقتنا المردود خلفي ليخبرني أنه سيعُقد عصر اليوم لقاء مع أعضاء اللجنة الشعبية في مديريتنا، بعد أن فض اللقاء السابق من دون حلول لتلك المشاكل المتراكمة منذ سنين. في بدايته بدا ذلك اليوم بديعاً حين قابلت أشعة الشمس وجهي، كانت الشمس بأفضل حالاتها في السماء الصافية، وأصوات عصافير تغني هنا وهناك، حتى ذلك الجار المقطب الوجه قال بسعادة متناهية «يومك طيب»، من حقي أن أتفاجأ بكل تلك الطفرات، فنادراً ما أعهد ذلك الجو في مدينتي، خصوصاً في هذه الفترة التي أشهدها، تذكرت الجملة المكتوبة على الميدالية التي أهدتني أيها إحدى الصديقات «كن جميلاً ترَ الوجود جميلاً». أوووووف، الآن أحتاج لأن استقل ثلاثة باصات حتى أتمكن من الوصول إلى العمل، بقليل من الحظ الذي سقط فجأة من السماء وبمساعدة من تعويذة جدتي التي تباركني من وقت إلى آخر، قطعت رحلتين لتبقى الثالثة الأطول التي في طرفها الأخير يكون المبنى الذي أعمل فيه. بالقرب من المحطة الأخيرة، توقفت فجأة قبل صعودي إلى الباص. تبادر إلى ذهني سؤال لطالما أغفلت عنه وتجاهلته، ربما هي مشاغل الحياة أو أنه لا يوجد وقت كافٍ كي أفكر بسؤال كبير كهذا حتى أبحث عن إجابة مقنعة، يأتي بعده استفسار مصيري أقل تعقيداً من سؤالي الكينوني: من أنا؟ ماذا أعمل في هذا العالم الصغير (بلادي)؟