الصفحة: 8 - المحلية لم يترك وائل الدغفق، شبراً في أراضي المملكة لم يطأه، فلقد مر تقريباً في كل مدنها الرئيسة والمهمة والفرعية. وهو بعد أن فرغ تقريباً من الطواف في أودية المملكة وجبالها وبحارها ومحمياتها، ارتحل لملامسة سقف العالم في نيبال، والسير بمحاذاة سور الصين العظيم، ومزارع الشاي في منطقة جاملي همشين التركية. ويقول الدغفق 48 عاماً الذي ولد وترعرع على الترحال بين الخبر والزبير:"كانت العائلة في تنقل مستمر بين المدينتين، وإن كانت الثانية هي المقر الرئيس، كونها حاضرة، وذات خصائص مدنية لا تشبهها أي مدينة في الجوار آنذاك، فقد كانت هي مقرنا، والخبر كانت محطة عمل للوالد، لذا كانت ولادتي فيها، وعدنا بعدها إلى الزبير، حيث درست الابتدائية هناك، وكان الانتقال الأخير للوالد والعائلة للخبر قبل 40 عاماً". فأكمل تعليمه هنا، والتحق في كلية الشريعة في الأحساء، وتخرج فيها بشهادة بكالوريوس أصول الدين، ثم انخرط في سلك التعليم معلماً في مدرسة في الثقبة، حتى أصبح مديراً لها منذ سبعة أعوام. عندما تجود السماء بالأمطار، ويعلن الربيع مقدمه بسيول جارية في الأودية والشعاب، وغطاء نباتي يكسو الصحاري ويسحر العين، لا يجد"رحال الخبر"ورفاقه مفراً من تلبية دعوة الطبيعة،"تردنا أحياناً أخبار عن مكان غريب بتشكيلاته وطبيعته، ومن ذلك المكان يتسنى لي التعرف على أكبر منطقة في الطريق إلى ذلك المكان وغيره، كما أن الظروف للشتاء والصيف تجعل للمرتحل منا الوجود في أماكن مختلفة نظراً لاختلاف الحرارة والبرودة ومن خلالها يتم أيضاً التعرف على مناطق جديدة كل مرة سواء بالطرق المعبدة أو بالبديلة والممهدة تمهيداً ترابياً، بل قد يصعب علينا الوصول إلى أماكن معينة إلا باستحداث طرق جديدة، نمهدها باليد بإزالة الصخور أو بالمسير عبر طرق رملية بسياراتنا المجهزة". وخلال تجواله في أرجاء الوطن، بدا للدغفق مدى"عظمة وروعة بلادنا مترامية الأطراف، فالذي يعيش بين الجدران لا يرى كم هي جميلة المنطقة خارج جدران بيته، والمملكة بلاد متنوعة التضاريس، تحفها مياه البحر الأحمر والخليج العربي، وتتألق في أنحائها الصحاري والغابات، وتمتلك مناطق تاريخية وأخرى طبيعة، بل تجد أن في بعض الأماكن ما يأخذ بالألباب كحفرة على طريق الحجاز، المتكونة من بركان خامد، وهي باتساع ألفي متر، وبعمق 250 متراً، وتتسع لمدينة، وهناك شاطئ حقل الفيروزي ووديان لم أرَ أغرب منها، كوادي لجب في جيزان، وقلاع تاريخية في الحجاز، والأحساء، وحائل، وجيزان، وعسير". مُستكشف على دروب المسافرين ويصنف الدغفق رحلاته إلى استكشافية، وأخرى على دروب المسافرين، وثالثة يقصد فيها الأماكن التاريخية"استكشفت ورفاقي على مدى عامين درب زبيدة من رفحاء، وحتى الطائف، لمسافة تبلغ نحو 800 كيلومتر. كما سرنا في درب الحاج الشامي، الذي يبدأ من حقل شمال غرب المملكة، وحتى المدينةالمنورة، وتتبعنا خط الحديد العثماني المعروف ب"سكة حديد الحجاز"، الذي ينتهي في المدينةالمنورة، ويمر على مدن عدة، مثل تبوك والعلا". وارتحل أيضاً على دروب المسافرين، فسلك درب الكنهري، والمبيحيص، والمزاليق، والمقانيص في الصمّان الواقع شرق جزيرة العرب. وطاف"رحال الخبر"في عدد من المواقع التاريخية، مثل: ثاج الأثرية شرق الصمّان، وشاهد الأحساء بقلاعها وينابيعها ومساجدها، والحجاز بتنوعها الحضاري، من مكةالمكرمة وحتى الشمال، مروراً بالطائف، ومهد الذهب، والمدينةالمنورة، وخيبر، والعلا، ومدائن صالح، وتبوك، وضبا، والوجه، والمويليح، والبدع. كما جال في منطقة نجد، من القصيم، وسدير، والمحمل، والوشم، وعالية نجد، مثل الدوادمي، والشعراء، وما حولها، والقصيم، وحائل، ومن الجنوبوادي الدواسر وما يليه إلى الرياض."لقد جاوزت مع زملاء كُثر وديان الجزيرة الشهيرة، مثل الرمة، والحمض في المدينةالمنورة، والجزل، وحنيفة، والحفر، والسهباء وغيرهم، وقطعنا الفيافي المقفرة، مثل صحاري النفود الكبير شمال حائل، والدهناء، ونفود الثويرات، وأكبر الصحاري المقفرة"الربع الخالي"من حرض جنوبالأحساء وحتى الخرخير جنوباً، ومنطقة شيبة شرقاً". وينظر الدغفق للرحلة بعين"مدير المدرسة"فقلمه وعدسات كاميراته حاضرة في مواقع السياحة الإلكترونية، كالرحلات والمكشات وزاد المسافر، وبتصفح هذه المواقع ستقرأ وتشاهد"رحال الخبر"يجوب العالم. ولكل رحلة ظروفها واستعداداتها، فللرحلة البرية تجهيزات ربما اختلفت عن البحرية، و"الاستعداد يختلف باختلاف هدف الرحلة، وعدد أيامها، والمنطقة التي سنقصدها، ولقد جهزت سيارتي بكل أدوات الرحلة مثل خزان الماء والبنزين، وعدة الطبخ، وأدوات السلامة، وأدوات الحالات الطارئة، تحسباً لأي عطل طارئ، وهي تجهيزات كافية للترحال لمدة شهر في أصعب مناطق المملكة، وأسهلها، وقبل كل ذلك والأهم الرفقة التي نتقوى بها على مشقة السفر". ويعترف الدغفق، بأن الترحال"مُكلف، خصوصاً تجهيز السيارة وصيانتها المستمرة". إلا أنه يشدد على أهمية"تأمين المركبة بوسائل السلامة والصيانة كافة، فثقب العجل في منطقة بعيدة ومقفرة قد تودي بصاحبها للهلاك". وهو يستغني غير آسف عن التلفاز والراديو"وكل ما يشغلنا ويؤذي مسامعنا، فالرحلة راحة وبُعد عن الإزعاج، وهي تربية نفسية وراحة بدنية على رغم ما فيها من مشقة، لكنني أرجع بعدها للعمل بكل نشاط وانشراح للصدر".