وزير الصحة السعودي الدكتور عبدالله الربيعة لم يكتف بالإجابة عن الأسئلة الجراحية والعلمية وحسب، ولكنه أيضاً أراد استقصاء كل ما له صلة بالتوائم السيامية، الذين جعلهم قضيته وعنواناً يرفع به اسم بلاده عالياً في سماء المعمورة. بين الجوانب المتعلقة بحياة هذه الشريحة، نواحي الأخلاق الشرعية المتصلة بمبادئ الشريعة الإسلامية ونظيراتها السماوية. وهي تساؤلات طرحها وأجاب عنها مبدئياً، ثم ترك المجال للفقهاء ليكملوا ما بدأه، وسأتناول في ما يلي بعض النقاط التي كانت مثار استفسار العديد من الأشخاص، ثم أتحدث عن كل منها على حدة: هل التوأم السيامي شخص أم شخصان؟ - هناك اختلاف كبير على مدى التاريخ بين علماء الطب والقانون والشريعة حول متى يكون التوأم السيامي شخصاً واحداً أو أكثر! لقد كان لحكمة الصحابة - رضي الله عنهم - في مطلع العصر الإسلامي، وعند أول توأم سجله التاريخ الإسلامي وربما العالمي، السبق عندما سأل سيدنا عمر - رضي الله عنه - الصحابة عن رأيهم، وكان رد سيدنا عليّ - رضي الله عنه - أن أفضل طريقة هي مراقبة النوم والبول والبراز، فإن كانت في وقت واحد، فالتوأم السيامي واحد، وإن اختلف الوقت كان التوأم اثنين. هذه هي بداية القاعدة، أي أن الصحابة - رضي الله عنهم - ركّزوا على الأعضاء الأساسية للحياة كمرجع لتصنيف التوأم السيامي، فإذا وجدت الأعضاء الأساسية لكل منهما فهما اثنان، وإذا اشتركا فيها فهما واحد. ولكن الأمر من الناحية العلمية يحتاج إلى تعمق أكثر، ولكي نصل لفهم التوائم السيامية، فلا بد من أن استفاضة حول تصنيفها من حيث الأعضاء، ليسهل الحكم العلمي عليها. وعليه فإن التوائم كما ذكرت في الكتاب تنقسم إلى"طفيلية"، وهي التي يكون فيها توأماً مكتملاً، ويكون الآخر جزءاً من جسد متطفل على التوأم المكتمل. ثم"مكتملة"وهي التوائم التي توجد فيها مقومات الحياة ويمكن فصلهما، وأعني بمقومات الحياة المخ والقلب. وهناك نوع يتفرع عن هذا، وهو"المكتملة التي تشترك في أحد أعضاء مقومات الحياة"، وأعني بذلك الاشتراك، إما في المخ أو القلب، وهنا لا يمكن الفصل من دون فقدان أحدهما حياته، فالتوأم هنا في نظري واحد وله حقوق الشخص الواحد فقط. ما حُكم التضحية بتوأم ليحيا الآخر؟ - هذا الموضوع حساس جداً، وأثار الكثير من الجدل بين الأطباء والمحاكم الشرعية والمهتمين بأخلاقيات مهنة الطب، ولعل قصة التوأم"ماري وجودي"من جزر مالطا في البحر الأبيض المتوسط، اللذين تم نقلهما إلى مدينة مانشستر في المملكة المتحدة مع والديهما الكاثوليكيين، تعطينا إجابة عمّا يمكن عمله في مثل هذه الحالات، لقد كان التوأم ملتصقين في البطن والحوض، وكانت التوأم ماري تعاني من ضمور حاد في المخ، مع عيوب خلقية في القلب والرئة تعوق استمرار الحياة، ما جعل الأطباء يقررون التضحية بتوأم ليحيا الآخر، لأن حياة ماري معتمدة على جودي، أي تتم التضحية بماري لحساب جودي. ولكن الأهل - ولأسباب دينية - لم يوافقوا على إجراء الجراحة، رغبة في أن تترك الأمور لحكم الله سبحانه وتعالى، ورفعت الحالة إلى المحكمة العليا، وبعد جدل دام ثلاثة أشهر، حكمت بناءً على نصيحة الأطباء بالتضحية بماري لحساب جودي، وأجريت الجراحة، وما زال الجدال قائماً إلى يومنا هذا حول الإجراء المناسب في مثل هذه الحالات. ومع أنني لست في صدد الإفتاء الشرعي، إلا أنني أنصح العلماء والمهتمين بالموضوع بعدم التعجل في إصدار الأحكام إلا بعد دراسة علمية دقيقة لكل حالة، ومعرفة تفاصيلها قبل إصدار الحكم. ولتسهيل الموضوع على القارئ والمتخصص، فإن التضحية بالجزء المتطفل في التوأم الطفيلي لا غبار عليها من الناحية العلمية، والحكم نفسه للجزء المتطفل في التوأم داخل توأم، وكذلك قد يكون الحكم العلمي يسمح بالنسبة للتوائم السيامية، التي تشترك في أعضاء مقومات الحياة إذا تأكد أن الحياة لا تقوم للآخر إلا بهذه الأعضاء، كالاشتراك في القلب أو المخ، علماً بأن فصل هذه الحالات بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاًً. أما التوائم المكتملة التي يمتلك كل منها أعضاء ومقومات الحياة، فلا أرى من الناحية العلمية التضحية بتوأم ليحيا الآخر، لأنه من الناحية النظرية يمكن فصلهما مع الإبقاء على حياتهما معاً، وإذا حدثت مضاعفات خارجة عن الإرادة، فهذا حُكم الله سبحانه وتعالى ولا راد لقضائه. ومع هذا كله وفي الحالات التي تخرج عما ذكر أعلاه، فلا بد من دراسة كل حالة بعناية ودقة، حفاظاً على حياة الإنسان وكرامته. ما حُكم الإرث للتوائم السيامية؟ - من الناحية الطبية والعلمية أقول إن الحكم هنا مرتبط بموضوع تفصيل التوائم السيامية... أهي شخص واحد أم اثنان؟ فإذا رجعنا إلى الحُكم في ذلك، فإن التوائم السيامية التي تشترك في أعضاء مقومات الحياة والطفيلية، بما فيها طفل داخل طفل تُعد شخصاً واحداً، وعلى هذا يمكن أن يكون الإرث على اعتبار أنها شخص واحد، أما التوائم المكتملة التي تمتلك أعضاء ومقومات الحياة فهي شخصان. وعلينا أن ننتبه إلى ما قد يترتب على الوفاة بالنسبة للتوائم المكتملة، ومن توفي قبل الآخر، وغير ذلك من الجوانب المهمة التي تحكم توزيع الإرث. ما حكم الزواج للتوائم السيامية المتصلة؟ - يعدّ موضوع زواج التوائم السيامية من المواضيع الحساسة والمهمة، والمقصود هنا بزواج التوائم هم أولئك الذين بلغوا سن الزواج ولم يتم فصلهم. فإذا عدنا لرأي الصحابة - رضي الله عنهم - فإنهم لا يرون جواز ذلك، لكون العورة ستكشف على الغريب، أي أن أحد التوائم سينظر إلى عورة زوج أو زوجة الآخر. وفي هذا المجال قد نحتاج إلى إيضاح النواحي العلمية، وهي العودة لما ذكر سابقاً، هل التوأم السيامي شخص أم اثنان؟ فإذا كان هذا التوأم يتمتع بمقومات شخص واحد فقد يكون الحكم بالجواز، أما إذا كان الاثنان يشتركان في مقومات شخصين ولم يفصلا فالأفضل أن يتم فصلهما، إلا إذا تعذر الفصل لأسباب طبية فلا بد من أخذ رأي الشرع. ما حُكم القصاص للتوائم السيامية؟ - هنا نحتاج إلى رأي الشرع لإيضاح حُكم القصاص للتوأم السيامي الذي يكون قد أقدم على ارتكاب جريمة تؤدي إلى الحُكم بالقصاص، ولدينا مسائل عدة: أولاً: إذا كان الحكم بالقصاص في عضو أي يخص توأماً بذاته منفرد فالحكم سهل في ذلك. ثانياً: القصاص بعضو مشترك مثل يد مشتركة أو طرف سفلي مشترك فكيف يكون الحكم؟ وهل يستبدل بعضو آخر منفرد؟ ثالثاً: حُكم القصاص بالقتل إذا ما أقدم أحد التوأمين عليه؟ خصوصاً أن قتل أحد التوائم سيقضي على التوأم الآخر. قد يكون الرأي العلمي تأخير عملية القتل حتى يفصل التوأم إذا كان ذلك ممكناً، ولكن ما الحكم إذا تعذّر الفصل؟ هل هناك اختلاف في حُكم الإقرار بجراحة الفصل؟ - إن الاختلاف بين الأطباء والمهتمين بأخلاقيات مهنة الطب والقانونيين الشرعيين وأهالي التوائم شاسع حول من بيده القرار لجراحة الفصل، هل إجراء الجراحة يعود إلى موافقة الوالدين أم الأطباء أم المحكمة أم الأطفال؟ وربما تكون قصة التوأم ماري وجودي التي حدثت في المملكة المتحدة من أكثر الحالات جدلاً في العالم، التي كان فيها الخلاف قوياً بين والدي التوأم والأطباء والمحكمة، إذ عارض الوالدان جراحة الفصل كما ذكرنا سابقاً. ولعلنا نحدد أوجه الخلاف هنا، إذ إن قرار فصل التوائم السيامية تعتريه بعض المخاوف من حيث: نسبة نجاح الجراحة. الخطر على أحد التوائم. المضاعفات وآثارها على حياة التوأم. وفي نظري فإن الموافقة على إجراء جراحة الفصل للتوائم السيامية يجب أن تكون شراكة بين الفريق الجراحي، ووالدي التوأم السيامي أو"المخوّلين شرعاً"إذا كان التوأم لم يبلغا سن الرشد، أما إذا بلغا سن الرشد فلهما حق الموافقة. ويجب على الأطباء الشفافية والوضوح مع والدي التوأم وشرح المخاطر كافة، ونسبها والمضاعفات المتوقعة، لكي يكون القرار مبنياً على دلائل واضحة. وعندما يهدد القرار حياة التوأم بنسب غير مقبولة، أو مضاعفات جسيمة، فإن القرار يجب أن يُدرس بعناية، وربما يتدخل هنا طرف ثالث للمساعدة في اتخاذ القرار كالمحكمة مثلاً. ويرى زملاء معي في المهنة أن جراحة الفصل يجب ألا تزيد نسبة الخطر على الحياة فيها عن 50 في المئة. بما في ذلك المضاعفات الجسيمة. وعندما تكون النسبة غير مقبولة، فإن على الفريق الطبي عدم الموافقة على إجراء الجراحة حتى ولو وافق والدا التوأم، أو التوأم البالغان، أو المخوّل شرعاً. وإذا كان هناك ضغط منهم على الفريق الطبي فلا بد من إدخال طرف ثالث مثل المحكمة، أو السلطة المخوّلة في ذلك الوطن. وخلاصة القول إنه يجب ألا يكون القرار الذي سيتخذ مصاحباً لضرر أو خطر غير متعارف عليه من الناحية الطبية. وماذا عن الأعضاء التناسلية المشتركة؟ - في بعض حالات التوائم السيامية تكون الأعضاء التناسلية مشتركة بجهاز واحد إما الأعضاء الداخلية أو الخارجية، ويطرح سؤال من الأهمية بمكان في هذه الحالات الصعبة، وهو لمن تعطى هذه الأعضاء؟ ومن يقرر ذلك؟ الجواب صعب والقرار حسّاس، وفي رأيي المتواضع أن تخصيص الأعضاء يجب ألا يكون مبنياً على الآراء والميول، بل على أساس علمي بحت حتى وإن كان التوأم الذي سيحصل على الأعضاء الأسوأ من الناحية الصحية، لذلك يجب أن تبنى عملية تخصيص هذه الأعضاء على ارتباط الأوعية الدموية والمجرى التناسلي وارتباط الجلد والأعصاب، وغير ذلك من الأسس العلمية الطبية. وبالنسبة إلى الأعضاء التناسلية الخارجية فإنها تخضع للحُكم نفسه، ويجب أن ينظر الفريق الطبي في إمكان استحداث بدائل تجميلية تعوضهما عن جزء مما افتقداه. لماذا لا يتم إجهاض حمل التوائم السيامية ابتداء؟ - لقد تطورت الخبرة والتقنية الطبية بحيث يمكن معها تشخيص هذه الحالات في وقت مبكر من الحمل، ونُشرت أبحاث متعددة تؤكد تشخيص حالات التوائم السيامية بين الأسبوع العاشر والأسبوع العشرين من الحمل، أي من الشهر الثالث إلى السادس. وطُرحت أسئلة عدة من الأطباء والمهتمين بالتوائم السيامية منها: لماذا نعرّض الأم لخطر الحمل ومضاعفاته؟ لماذا لا يجهض الحمل من بدايته؟ لماذا نُعرّض التوائم لحياة صعبة؟ وغير ذلك من الأسئلة المتعددة والمحيّرة، وسُمح في عدد من الدول الغربية بإجهاض الحمل السيامي إذا شُخّص في بداية الحمل، وهو ما قلل حالات التوائم السيامية في تلك البلاد. وهنا نتساءل ما هو الحكم الشرعي لإجهاض المرأة الحامل بتوأم سيامي؟ والحكم يُترك لأهل العلم والفتوى الشرعية لأنهم الأعلم بهذه الجوانب وأبعادها،"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"الأنبياء: 7. وسأطرح هنا الرأي العلمي لعله يساعد أهل الفتوى في إصدار فتوى شرعية. في رأيي المتواضع أن هناك شروطاً لا بد من توافرها قبل السماح بالإجهاض، وأؤكد أنني لا أفتي بل أطرح رأياً علمياً فقط، يتمثل في ما يأتي: أن يتم التشخيص في بداية الحمل كما ذكرت بين الأسبوعين العاشر والعشرين. إذا تبيّن من خلال التشخيص أنه يوجد لدى التوأم السيامي عيوب خلقية يتعذر معها استمرار الحياة. أن يثبت بموجب تقرير من الفريق الطبي أن الحمل يهدد حياة الأم. أن يوثّق التشخيص من فريقين طبيين مختلفين ممن هم أهل ثقة وخبرة واسعة في هذا المجال منعاً للتساهل أو إصدار رأي يشوبه القصور. فإذا توافرت هذه الشروط قد يرى أهل العلم والفتوى السماح بإجهاض الحمل في الحالات الموضحة آنفاً. ولعل العلماء الأفاضل في العالم الإسلامي يجدون في هذا ما يساعدهم في إصدار فتاوى تكون مرجعية لعالمنا الإسلامي الشامخ.