كان ولا يزال للمقاهي دور في الحركة الثقافية والأدبية في السعودية، إذ عرف مجتمعا مكةوالمدينة المقاهي في وقت مبكر منذ مطلع القرن الماضي، واشتهرت مقاهي عدة كانت بمثابة الأندية الأدبية للكتاب والصحافيين، منها مقاهي طريق المدينة، ومقهى السيد في مكة. ولم يزل من زوار تلك المقاهي كبار المثقفين، اللاجئين للمقهى يجد فيها ملاذاً يتيح لهم فرصة تبادل وجهات النظر، حول هموم وقضايا مثقلة بالعبء، بعيداً عن رقابة المنزل وصخب الشارع. ومنذ عام ظهر في الوسط الثقافي السعودي ما يسمى"المقهى الثقافي"الجامع بين تقديم أنواع المشروبات الساخنة والباردة ،الوافدة معظم أسمائها من ايطاليا وفرنسا واسبانيا، إضافة إلى توفير مجموعة من الكتب الأدبية المتنوعة، والشاملة لأنواع الفنون، لتكون متكأ لمرتادي المقهى، لتزجية الوقت واستغلاله في تحقيق المعرفة والمتعة. ولم يتردد المستثمر محمد أحمد ناحي 40 عاماً في تدشين مكتبة ثقافية داخل مقهاه الشهير في الباحة،"مقهى المساء"ليتحول إلى مورد لعشاق الثقافة والفن والسينما وخدمات الإنترنت، مرجعاً توفير الكتب إلى شغفه الشخصي بالقراءة، ورغبته في خدمة زوار المقهى معرفياً، ما يسهم في نشر الوعي وتوسيع المدارك الثقافية لشريحة الشباب، باعتبارهم أكثر الشرائح وجوداً في المقهى. ويضيف صديقه الشاعر عبدالرحمن سابي أن فكرة المقهى الثقافي"حاضرة في الوعي الجمعي العربي منذ عقود خلت"، مشيراً إلى أنه أسهم مع صديقه في اختيار عناوين الروايات والقصص والدواوين الشعرية، فيما ترك لزوجته وزوجة ناحي حرية اختيار كتب الثقافة الإسلامية والتوعية المجتمعية، لافتاً إلى أن المرحلة الأولى"شهدت تأمين أكثر من 300 عنوان في مختلف فروع المعرفة والثقافة". من جانبه، أبدى الشاعر غرم الله الصقاعي استعداده لدعم المقهى ب100 عنوان أدبي خلال المرحلة المقبلة، بعد أن خصص مالك المقهى ركناً من المقهى باسم الشاعر الصقاعي. "سيرة مقاهٍ ثقافية" مثّل المقهى دور المؤسسة الثقافية في حقب تاريخية متلاحقة، وعرفت العرب"الحان"في أدبياتها، وهو نواة المقهى حالياً الذي يمثل امتداداً طبيعياً لفكرة ملتقى وندوة، على جانب كبير من الأهمية، ولن ينسى المثقفون العرب مقهى الفيشاوي الشهير في حي الأزهر العريق في القاهرة. فعلاوة على أنه يعد من أقدم مقاهي القاهرة، حيث يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1797، أي قبل ما يزيد على قرنين من الزمان، إلا أنه أصبح أكثر شهرة وبريقاً، بفضل الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، الذي كان"الفيشاوي"مكانه المفضل للكتابة وقراءة الوجوه ولقاء الأصدقاء، ولا يقل مقهى ريش أهمية عن الفيشاوي، إذ يعد أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية، ويقع بالقرب من ميدان طلعت حرب، وتأسس عام 1908، وكان ملتقى معظم الأدباء والمثقفين ومنهم نجيب محفوظ ويوسف إدريس وأمل دنقل، وغيرهم ممن كانوا يحرصون على حضور ندوات نجيب محفوظ الأسبوعية، التي كان يعقدها عصر يوم الجمعة منذ عام 1963. وعرفت دمشق المقاهي الثقافية، ومنها مقهى مالك والبرازيل والهافانا، الذي كان متكأ للشاعر أحمد الصافي النجفي، إضافة إلى ارتياده من قامات ثقافية بحجم عبدالرحمن منيف، ومظفر النواب، ومحمد الماغوط، وآخرين من الكتاب والشعراء والصحافيين والسياسيين. ومما يروى عن النجفي أنه كان يدخل مقهى الهافانا ويذهب مباشرة إلى مكانه المعهود من دون أن يلتفت يمنة أو يسرة، ومن عادته جلوسه وحده، إذ كان يحب العزلة، ومن عادته إذا جلس في مقهى الهافانا وقطع عليه وحدته أحد الثقلاء يعتذر بذهابه لقضاء حاجة وسيعود، لكنه يخرج ولا يعود. ومن مقاهي العراق مقهى أم كلثوم في شارع الرشيد، ومقهى البيروتي في الجهة الغربية لنهر دجلة"كرخ بغداد"وتحديداً عند - نقطة التقاء محلتي الجعيفر والعطيفية، وتم بناؤها عام 1978. وفي بيروت اشتهر مطعم ومقهى فيصل في شارع الحمرا، الذي لم يفقد أحداً من مثقفي العالم العربي منذ مطلع ستينات القرن الماضي، وحتى أواخر السبعينات.