الذين قدر لهم أن يعيشوا أو يذهبوا الى مصر في الخمسينات وحتى منتصف الستينات وبالتحديد حتى عام 1966م وقبل نكسة 1967م ومن ثم ذهبوا اليها بعد هذا التاريخ لابد أنهم عاشوا غصة مريرة وهم يقارنون تلك القاهرة التي كانت وهذه القاهرة التي أصبحت بكباريها واختناق مواصلاتها وكل أشكال الحياة التي عاشتها وتعيشها بهذه الملايين التي فاقت التسعين مليون إنسان.. بعد أن كانت في الخمسينات أقل من ثلاثين مليون إنسان في ذلك الزمان كانت تعيشه ولان للمقاهي في مصر لون وطعم وأهمية ندعكم عن ما قيل عن بعضها.. يقول احد الكتاب عن قهوة الفيشاوي ما يلي: في قلب القاهرة الفاطمية، في إحدى الأزقة المجاورة لمسجد سيدنا الحسين بحي الأزهر العتيق، قبل نحو 245 عاما كان هناك رجل يدعى الحاج فهمي الفيشاوي. بدأ الحاج الفيشاوي تقديم القهوة فقط إلى أصدقائه والزائرين لمنطقة الحسين في زقاق خان الخليلي في القاهرة. واظب علي ذلك في مساء كل يوم بعد صلاة العشاء، حتى أصبح المكان الذي يتناول فيه الناس القهوة يُعرف باسم "قهوة الفيشاوي"، ثم نجح الحاج فهمي الفيشاوي في شراء المتاجر المجاورة له، وتحويلها إلى مقهى كبير ذي ثلاث حجرات مفتوحة علي بعضها. اكتسب مقهى الفيشاوي جزءً من شهرته من تردد الأديب والروائي الكبير نجيب محفوظ عليه، والذي بدأ مسيرته الأدبية من مقهي الفيشاوي كما سجل في مذكراته، فقد أعتاد الروائي الكبير أن يجلس وحيداً في أحد أركان المقهى يتأمل، أمامه كوب الشاي الأخضر الذي يحتسيه وبيده القلم، فقد أدرك أن مهد الفكرة ومنشأها هناك، ونصوص محفوظ الروائية مليئة بالأقاصيص عن عالم المقاهي التى استلهمها من إحدى أركان مقهى الفيشاوى، الذي أصبح مسرحا للعديد من روائعه الأدبية كالثلاثية، وخان الخليلي، إضافة إلى الأعمال التى استحقت فيما بعد نيل جائزة نوبل للآداب. نصل الآن الى مقهى "جروبي" ذلك المقهى الذي يقول تاريخه بأن الذي افتتحه رجل أعمال سويسرى اسمه جياكومو جروبي عام 1909 فى شارع عدلى بوسط القاهرة، وأصبح المحل بعد فترة قصيرة جدا ملتقى العائلات الأرستقراطية والأجنبية الموجودة فى مصر، وضباط الجيش الإنجليزى خلال الحرب العالمية الأولى. وفى عام 1924 أنشأ جروبى فرعه الثانى فى ميدان سليمان باشا «طلعت حرب حاليا»، حيث يضم المحل مطعمًا فاخرًا وقاعة للرقص! والطريف أن جروبي هو أول من أدخل السينما الصيفية إلى مصر، إضافة إلى أنه أول من قدم الحلوى الغربية، والآيس كريم، والكريم شانتيه، وكان من أشهر رواد المحل أم كلثوم، وأسمهان، وعيزرا وايتسمان الذى صار رئيسا لإسرائيل! غادر جروبي إلى موطنه سويسرا تاركًا ابنه لإدارة المحلات، وفى عام 1930 افتتح محل الأمريكين بشارع سليمان باشا، عارضا المشروبات والمأكولات بأسعار أقل من جروبي، لكى يكون ملتقى من لا تساعدهم ظروفهم المادية لدخول محلات جروبي، وبعد سنوات قليلة افتتح الفرع الثانى بشارع 26 يوليو. نأتي الى مقهى آخر كان له شأن وهو مقهى ريش والذي أقيم على أنقاض قصر الأمير محمد على توفيق عام 1914 لرجل أعمال نمساوي، وسرعان ما اشتراه رجل فرنسى كان مولعًا بالثقافة والفنون، فأطلق عليه اسم «ريش» وهو أحد أشهر مقاهى باريس التى يرتادها المثقفون، عرف المقهى مقراً يجتمع فيه المثقفون والأدباء والسياسيون، وكان للاجتماع فيه دور كبير فى ثورة عام 1919. وقد غنى فيه صالح عبدالحي والشيخ أبوالعلا محمد وأم كلثوم، وأقام فيه نجيب محفوظ ندوته الأسبوعية التى كان يعقدها عصر يوم الجمعة منذ عام 1963. وعرفت باسم مقهى المثقفين. اللافت للانتباه أن الشاعر الغاضب نجيب سرور ذكره فى عنوان ديوانه «بروتوكولات حكماء ريش» نتيجة لما تعرض له في حياته. هذه لفتة لبعض أشهر مقاهي القاهرة من أيام زمان حتى هذه الأيام ولكن انظر الفرق بين ما كانت عليه والآن وفارق بين الماضي والحالي.