سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الوعي الاجتماعي بحقيقة أهداف التنظيم حرمهم من إيجاد موطئ قدم في بلاد الحرمين . الاستراتيجية الجديدة ل "القاعدة" ... تأجيل المواجهة والتفرغ للتجنيد والاستقطاب
قوائم المطلوبين تعود من جديد لتعيد إلى الأذهان كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله الذي قال إن الحرب مع الإرهاب طويلة جداً، القائمة الجديدة جاءت مختلفة عن سابقاتها كماً وكيفاً"فهي أعلنت أسماء تورطت في الإرهاب خارج المملكة وهو ما يفتح بوابة الأسئلة حول استراتيجية تنظيم القاعدة الجديدة ما بعد حالة الكمون التي يعيشها التنظيم في العراق، والاعتماد شبه الكلي على عناصر محلية في أفغانستان بسبب نجاح الأجهزة الأمنية في تضييق الخناق على التنظيم داخل المملكة، وذلك عبر سلسلة النجاحات الكبيرة التي حققتها بفضل الضربات الاستباقية. الاختلاف الذي تحمله القوائم من حيث الكم، إذ بلغ عدد المطلوبين 83 سعودياً ويمنيين، يحدثنا عن أن تحول تنظيم القاعدة من مرحلة المواجهة عبر الاستهداف العشوائي والعمليات الانتحارية إلى مرحلة جديدة كلياً وهي مرحلة التجنيد والاستقطاب، وهذا ما تأكد جلياً مع حالة الاندماج التي أعلنها التنظيم قبل أسبوع مع تنظيم القاعدة في اليمن، لأسباب تتعلق بطبيعة الحالة اليمنية من حيث الجغرافية ووجود هامش كبير في إعادة التشكيل، انطلاقاً من معسكرات سرية تقام هناك، وهذا ما ألمح إليه اللواء مهندس منصور التركي الذي حذر من تسلل بعض هؤلاء المطلوبين إلى المملكة بطريقة غير نظامية، ومن هنا دعا إلى ضرورة التنسيق وإبلاغ أهالي المطلوبين وإحاطتهم بأن أبناءهم مطلوبون للجهات الأمنية. البيان الذي صرح به مصدر مسؤول في وزارة الداخلية أكّد إضافة إلى النجاحات الأمنية أن ثمة وعي اجتماعي، الذي أدرك"حقيقة الفكر الضال والأهداف التي يسعى إليها المفسدون، وهو بهذا الوعي"حرم أرباب الفتنة والفساد من إيجاد موطأ قدم لهم على الأرض الطاهرة، وقد كان لقوات الأمن شرف المواجهة التي ألجأتهم بفضل من الله إلى النزوح إلى حيث صور لهم فكرهم التكفيري المنحرف أنها مواقع للانطلاق للنيل من وطنهم وأهلهم ومقدرات أمتهم. قصة الإرهاب الموجه للمملكة بدأت بشعارات براقة سرعان ما تبين كذبها مثل:"إخراج المشركين من جزيرة العرب"لتتحول لاحقاً إلى ترسيمة سياسية ذات بعد استراتيجي يحاول أن يصبغ بها فكرته بالخلافة الراشدة وتغيير الأنظمة، لذا حول منظمته الخاصة"القاعدة"إلى تيار عالمي جهادي من خلال تحالفه مع أيمن الظواهري وتأسيسهما ل"الجبهة العالمية الإسلامية لقتال اليهود والصليبيين والأميركان"، وبالفعل لم يتأخر أثر ذلك التحول في أيديولوجية القاعدة من قتال الروس لتحرير الأرض الأفغانية إلى قتال الأميركان داخل البلدان الإسلامية وعلى رأسها المملكة، إذ بدأ بالتخطيط لشن هجمات ضد المصالح الأميركية في الخليج، حيث في منتصف عقد التسعينات كانت أولى ثمرات ذلك التحول بعملية القاعدة في تشرين الثاني نوفمبر 1995، والهجوم على مركز تدريب الحرس الوطني الذي تديره الولاياتالمتحدة في الرياض، والذي أسفر عن مقتل خمسة من الأميركيين. وكان ذلك إيذاناً بولادة منظمة فرعية للقاعدة في الداخل السعودي كأول تنظيم إقليمي للقاعدة في العالم العربي والإسلامي، وكان يستمد أفراده في البداية من خلال شبكة المقاتلين السعوديين والعرب الذين عادوا من أفغانستان، وكانت الصيغة التي تجمع بين هؤلاء هو العمل على تنفيذ أهداف القاعدة بضرب المصالح الغربية في السعودية كتطبيق عملي لتهديدات ابن لادن التي أطلقها في بيانه الشهير أوكلت مرحلة البناء الشبكي لشخصية مثيرة للجدل، لأنها جمعت بين التأصيل الفكري والخبرة القتالية الطويلة والأكثر أهمية هو الحضور الطاغي لهذه الشخصية في وجدان ابن لادن ألا وهو يوسف العييري الملقب ب"البتار"كأول زعيم للقاعدة في السعودية، وكانت من ثمرات هذه القيادة تكوين خلايا صغيرة كان من أبرزها الخلية التي نفذت هجمات أيار مايو 2003 والتي كان يترأسها"تركي الدندني"، أما الخلية الثانية فكانت بقيادة"عبد الرحمن الفقعسي الغامدي"، وهو العقل المدبر لهجمات الثاني عشر من مايو في الرياض، أما الخلية الثالثة فقد تزعمها"خالد الحاج اليمني الأصل، أما الخلية الرابعة فقد قادها شخص لا يقل شهرة عن"البتار" وإن كان أقل منه من حيث المكانة الفكرية داخل التنظيم، وهو"عبدالعزيز المقرن"الذي يرجح بعضهم كفاءته القيادية على المستوى العسكري وهو المسؤول عن تفجيرات تشرين الثاني نوفمبر 2003. هذا الإعداد القاعدي على سريته وإمكاناته المادية والبشرية قوبل بحملة أمنية واسعة النطاق دخلت في سجال كر وفر، لكنها أثبتت نجاحها على الأرض بشكل غير مسبوق عبر ما عرف بالضربات الإمنية الاستباقية والتي اعتمدت بداية على إصدار قوائم بالمطلوبين الرئيسيين من أفراد التنظيم، وقد كانت حصيلة هذا الجهود الأمنية من وزارة الداخلية السعودية قتل خالد الحاج اليمني في 16 آذار مارس 2003 ثم قتل يوسف العييري في حزيران يونيو 2003 أثناء ملاحقته أمام أحد الحواجز الأمنية ومن ثم مقتل قائد التنظيم من بعده عبدالعزيز المقرن، في 18 يونيو 2004. يمكن الحديث عن أربعة جوانب رئيسية توجه آلية الانضمام والعمل لدعم أفكار ما سمي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الجانب القيادي: وهو المتكون من أمراء الخلايا القتالية والمجموعات العسكرية. بينما الجانب الفكري: ويمثل الشخصيات ذات الطابع الفكري ممن يؤصلون للقاعدة من الناحية الشرعية والدينية ويقومون بالفتوى لهم والدخول في معترك السجال مع التيارات الأخرى المناهضة للقاعدة. كما يهتم التنظيم بالجانب اللوجستي: ويتكون من المجموعات التنظيمية التي تعنى بالتمويل وجمع المعلومات وتوفير الملاذ الآمن. ويأتي الجانب الإعلامي لينتقي شخصيات ذات خبرة تقنية كتابية من الذين لم يتورطوا في العادة بأية ملاحقة أمنية لكونهم بعيدين عن الأنظار ومعظم هؤلاء من الأجيال الجديدة التي لم تنخرط في خبرات قتالية سابقة في أفغانستان أو البوسنة. هذه الظاهرة التي يجب أن تقرأ عبر استنطاق جذورها الحقيقية بعيداً عن كل الحمولات السياسية والاقتصادية التي يتم التعويل عليها في تحليل مشكلة التطرف الديني، من دون أن يكون لها ما يكفي من مبررات وشواهد على أرض الواقع، بل العكس يثبت الواقع بطلانها وتناقضها مع شخصيات وسلوك وسيرة الشباب الذين انخرطوا في الفكر المتطرف. مع مرور كل هذه السنوات، لا تزال هناك نظرة تبسيطية للإرهاب الذي يعتبر الخطر الأول الذي يهدد استقرار العالم كله، وليس دولاً أو مناطق بعينها. هذه النظرة التبسيطية تحاول أن تنزع الإرهاب عن محضنه الأساسي وهو الفكر المتطرف، الذي يستخدم شعارات دينية مزورة بهدف تمريرها على المجتمعات الإسلامية، التي لديها استعداد فطري لتقبل وتصديق ما يقال من محتوى الدين، حين يكون بعيداً عن كل رقابة أو برامج توعوية مضادة، تحاول أن تحارب هذا التطرف باللغة ذاتها وتنازعه المفاهيم ذاتها، وتنقض أطروحاته بالأدوات والمنهج نفسيهما. الإرهاب على الأقل في معظم أشكاله المعاصرة التي نشهدها اليوم، هو وليد الفكر الديني المتطرف. ذلك أن الفكرة العنفية ظاهرة معقدة تتداخل فيها عوامل مختلفة لإنضاجها وإيصالها لمرحلة التنفيذ، ومع أن التركيز الإعلامي والبحثي على الأقل حتى الآن يتمحور حول العنف المسلح فقط، وكأنه حدث عرضي مقطوع الصلة بما قبله، مع أن كل متابع لمسيرة الحركات العنفية منذ حركة الخوارج التراثية، إلى الحركات المقاتلة اليوم، يدرك أن الانخراط في عمل إرهابي يعد الخرزة الأخيرة في سبحة التطرف الطويلة. وعليه فلا يمكننا عزل مرحلة التكوين التأسيسية للفكر المتطرف عن مرحلة التنفيذ لأي عمل إرهابي قد يكون على وقف التنفيذ لأي اعتبارات شخصية أو لوجستية، يمكن أن تتغير بتغير ظروفها الموضوعية. ومرحلة البناء الإيديولوجي تلك عقبتها مرحلة لا تقل أهمية وهي البناء الهرمي للتنظيم في الداخل، عبر الإعداد للأماكن الآمنة والاستراحات النائية ومستودعات الذخيرة والدعم اللوجستي، وتأمين تهريب الأسلحة والمقاتلين من الدول المجاورة وأبرزها اليمن والعراق.