{ بيان وزارة الداخلية الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية بالأمس، حول إلقاء القبض على خمسة متورطين في أعمال تحريضية على شبكة الإنترنت، يفتح إشكال الإعلام المتطرف من جديد وقدرته على الاستقطاب والتجنيد والتحريض والمساندة لايديولوجيات الإرهاب. 28 اسماً مستعاراً ذات أوصاف جهادية ودلالات متطرفة يتبادلها الموقوفون الخمسة مثل أمير الذباحين، صقر الكتائب، الأسد المجاهد، سنام الفلوجة... الخ، وهي عادة يكتسبها المنخرطون في الفكر المتطرف لمحاولة تهويل حضورهم الإعلامي والإنترنتي أو الادعاء بخبرات قتالية عريضة للتأثير على الكوادر الجديدة، وفي هذا السياق من نافلة القول التأكيد على تكنولوجيا المعلومات أحد أبرز الوسائل الذهبية التي يستخدمها دعاة الإرهاب على مختلف أشكالهم ومرجعياتهم، فالاستهداف الفكري عبر هذه الشبكات هو ما يطلق عليه الخبراء"الهدف السهل Soft Target"حيث الوصول السريع إلى أكبر شريحة من المستهدفين دون التقيد بزمان أو مكان أو حتى إجراءات رقابية يمكن أن تفرضها أي نشاطات قد تبعث على الريبة في الواقع. هذه المرونة كانت مغرية جداً لتنظيم القاعدة في السعودية منذ البدايات، ولذلك سخرت كل طاقتها لكي يكون لها حضور بارز في مواقع الإنترنت عبر المواقع المستقلة أو المنتديات المتعاطفة ولاحقاً عبر تأسيس مطبوعتين كان لهما دور كبير في تجنيد واستقطاب الآخرين من خارج الخلايا الرئيسية. وإذا ما انتقلنا إلى طبيعة عمل هذه الخلايا الإعلامية فيمكن الحديث عن نمطين من الخلايا الإعلامية المروجة لفكر القاعدة، فالأغلب أفراد وهواة لا يشكلون فريق عمل إعلامي متجانس لكتابة تلك المشاركات على الإنترنت أو الإشراف على تلك المنتديات، لكن مشاركاتهم تحظى بمباركة التنظيم الأم أو القيادات الرمزية لتلك الجماعات، فهؤلاء الأفراد تكمن وظيفتهم في"تكثير سواد"الفكر المتطرف. وأما النمط الثاني من عمل الخلايا الإعلامية فيتمثل في قيام مجموعات صغيرة بتشكيل جبهة إعلامية وغالب هؤلاء من المؤمنين بفكر القاعدة الأممي، فدورهم يكمن في إعادة صياغة هذه القناعات والأفكار داخل المطبوعات والمواقع الإنترنتية عبر خطط واستراتيجية تنظيمية معقدة مبنية على امتلاك أدوات التقنية والتشفير والتصميم وصولاً إلى التحرير والإنتاج التلفزيوني، وفي الغالب أن هذه المجموعات التنظيمية منقطعة الصلة عن القيادات الميدانية بسبب الظروف الأمنية. المستهدفون ولعل السؤال الأبرز هو عن الفئة التي يستهدفها الخطاب الإعلامي للفكر المتطرف؟ وربما يمكن الإجابة على هذا التساؤل من تحليل طبيعة المشاركات في المنتديات التابعة للجماعات المتطرفة، إذ نجد أن خطابها يستهدف في الغالب شباباً محافظاً ذي نزعة متدينة يعيش ذروة الحماسة الدينية والعاطفية، وأيضاً يستهدف الإعلام الإرهابي فئات عديدة من الشباب الذي تربى في كنف الصحوة الإسلامية في محاولة لسجاله ومحاورته وإقناعه بعدم جدوى قناعته غير العنفية، ولذلك نجد أن قسماً كبيراً من محتوى المواقع المتطرفة هو ردود على شبهات وجدال لشخصيات ورموز دينية معتدلة أو معارضة لتنظيم القاعدة، فهذه المجموعات المتطرفة تدرك مدى تأثير رموز الصحوة على"الفعالية الدينية"في المشهد المحلي بل والعالم الإسلامي، باعتبار أن خطابهم محل استماع وقبول لدى الشريحة الوسط في المجتمع. تعويض نفسي ربما كانت الظاهرة الأبرز في المجموعات المتطرفة ذات النشاط الإعلامي أن معظمهم لم يخض تجربة القتال في أفغانستان أو البوسنة أو غيرها من مناطق التوتر عطفاً على المرحلة العمرية وحتى من خلال سبر حديثهم عن تلك المرحلة، وهو عادة ما يكون حديث المنبهر بتاريخ مقدس وأسطوري، وما الحضور الطاغي للمشاركة والنصرة بالكتابة إلا لتلبية الشعور بفوات المرحلة الذهبية خصوصاً مع صعوبة السفر إلى مناطق التوتر بسبب العقبات الأمنية والاقتصادية والأسرية. * باحث في شؤون الجماعات الإسلامية.