كتبت في مقال سابق عن أجرة الحضانة، وما للمرأة إن هي تولت حضانة الابن، ووعدت أن أتبعه بمقال يفصل مدة الحضانة، لأن المتقرر لدى الكثير أن مدة الحضانة سبع سنين، ثم يخير الذكر بعد مضيها وتنتقل الأنثى إلى الأب بعد السابعة دون تخيير، هذا مذهب الحنابلة في المسألة، وتعليلهم أن البنت تحتاج إلى مزيد رعاية وحفظ، وإلى ولاية في التزويج، وأن الأب أقدر على ذلك من الأم، إلا أن الباحث في كتب الفقه يقف على اختلاف فقهي بأدلة متنوعة وقوية في المسألة. فالأحناف يجعلون مدة الحضانة للذكر سبع سنين، وبعضهم تسعا، والأول هو المفتى به، ومدتها في الجارية على قولين: أحدها: حتى تحيض. والثاني: حتى تبلغ حدّ الشهوة، وقدّرت بتسع سنين، فإذا كان الولد في حضانة أمه فلأبيه أن يأخذه بعد هذا السن، فإذا بلغ عاقلاً رشيداً كان له أن ينفرد ولا يبقى في حضانة أبيه، إلا أن يكون فاسد الأخلاق، فلأبيه ضمه وتأديبه، ولا نفقة للبالغ إلا أن يتبرع والده بها، وأمّا الأنثى فإن كانت بكراً ضمها لنفسه، وذهبت المالكية إلى أن مدة حضانة الغلام من حين ولادته حتى يبلغ، ومدة حضانة الأنثى حتى تتزوج، ويدخل بها الزوج، ولا تخيير عند الأحناف والمالكية"استدلالاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنت أحق به ما لم تنكحي"ولو خير الطفل لم تكن هي أحق به، وذهب الشافعية إلى أن الحضانة ليس لها مدة معلومة، فإن الطفل متى ميز بين أبيه وأمه، واختار أحدهما كان له سواء كان ذكراً أو أنثى، واستدلوا بحديث أبي هريرة: خيّر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وامرأة وابناً لهما، فخيّر الغلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا غلام هذا أبوك، وهذه أمك اختر"وجاءت أحاديث أخرى تقضي بوقوع التخيير في حق الأنثى. والمتأمل في أدلة وتعليلات كل مذهب يقف على قوة أدلة الشافعية، وتعليلاتهم، ولاشك أن الأم إذا توافرت فيها شروط الحضانة كانت أعرف بالتربية، وأقدر عليها، وأصبر، وأرأف، وأفرغ لها، ومن ثم تقدم على الأب. والذي لابد أن يعلم كمنطلق للبحث في مسائل الحضانة أن الحضانة لمصلحة المحضون لا الحاضن، فليست حقاً للأب أو الأم يتنازعانها، وإنما هي حق الولد فمن اختار أو كان الأصلح في تربيته وتهذيبه كانت الحضانة له. يقول ابن القيم في الزاد:"فمن قدمناه بتخيير أو قرعة بنفسه، فإنما نقدمه إذا حصلت به مصلحة الولد، ولو كانت الأم أصون من الأب وأغير منه قدمت عليه، ولا التفات إلى قرعة، ولا اختيار الصبي في هذه الحالة، فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك، لم يلتفت إلى اختياره، وكان عند من هو أنفع له، وأخير، ولا تحتمل الشريعة غير هذا... والله تعالى يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ". وقال الحسن: علموهم، وأدبوهم، وفقهوهم، فإذا كانت الأم تتركه في المكتب، وتعلمه القرآن، والصبي يؤثر اللعب، ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك، فإنها أحق به بلا تخيير ولا قرعة، وكذلك العكس، ومتى أخل أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطّله، والآخر مراع له، فهو أحق به وأولى... قال شيخنا يعني شيخ الإسلام ابن تيمية: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم، والنكاح، والولاء، سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً، بل هذا من جنس الولاية التي لابد فيها من القدرة على الواجب، والعلم به، وفعله بحسب الإمكان. قال: فلو قدر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرّة، فالحضانة هنا للأم قطعاً، قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً، بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البر العادل المحسن". وفي حال زواج الأب والأم، فإن الحضانة تنتقل منهما إلى أم الزوجة إن كانت في عصمة الجد، وهذا المذهب المفتى به عند الحنابلة، ما يؤكد رعاية الإسلام لجانب تربية الطفل وتنشئته بعيداً عن الخصومة والشقاق، فمتى يدرك أولياء الطفل ذلك. * أكاديمية، وداعية سعودية. Nwal_al3eeed @ hotmail.com