تتسم شخصية القاص فهد الخليوي بالهدوء وسعة الصدر، إلا أنه يرفض بشدة تجاهل البعض له، أو التغافل عن تجربته، منذ بدأ مشرفاً على الثقافة في مجلة"اقرأ"لأعوام عدة، مؤملاً أن يستدرك الدكتور عبدالله مناع في طبعة كتاب ذكرياته الثانية ما فاته من دور الخليوي في"اقرأ"، كونه من جيل نحت في الصخر. الخليوي في حديث مع"الحياة"قال إنه بصدد إصدار رواية لافتة وكتابة نثرية لا يصنفها بالشعر أو النثر، بل يترك الحكم للمتلقي. وهنا نص الحوار: يتحدث البعض عن مشروع روائي قيد التنفيذ... ما آخر محطاته؟ - ما زلت في المحطة الأولى، أي في كتابة الفصل الأول من رواية قد تطول فصولها، لذا لا أستطيع تحديد وقت صدورها. وهي أصلاً مشروع روائي قديم فضلت كتابته من جديد، وبعد أن شعرت بأن وعاء العمر أصبح ممتلئاً بتفاصيل كثيرة، وحكايات أكثر تزدحم في فضاء الذاكرة، معظمها ما زال قابعاً في رحاب الطفولة. تلك التفاصيل والحكايات بدت أمامي كسلسلة مترابطة، من وحدات زمانية ومكانية، بحيث يصعب أن تنفصل بتداعياتها وإيقاعاتها إلى أنماط مختلفة أو منفصلة عن بعضها. هنا وجدتني أمسك بمادة روائية، وليست مادة قصصية كما كنت أظن في السابق. عدتَّ أخيراً إلى المشاركة عبر منابر الأندية الأدبية... هل هو تغير مواقف، أم تغير آليات؟ - عندما دعاني الصديق جبير المليحان، بصفته رئيساً للنادي الأدبي بالمنطقة الشرقية لإحياء أمسية قصصية بالنادي، رحبت بدعوته الكريمة وأرسلت له نصوصاً مرشحة من طرفي لقراءتها في الأمسية، ولم يعترض النادي على ترشيحي لتلك النصوص، أو يطلب مني نصوصاً محددة، بل أعطوني حرية الاختيار وحرية القراءة على خشبة النادي. من الطبيعي أن يتغير موقف المثقف من المؤسسة الثقافية الرسمية، طالما هذه المؤسسة غيرت بعض أساليبها القديمة، وفضلت خيار الانفتاح وتوسيع رقعة هامش الحرية - ولو مرحلياً - للوصول مستقبلاً لفضاء أوسع وأجمل. ماذا عن أصداء مجموعتك البكر"رياح وأجراس"؟ - الأصداء التي أعقبت صدور مجموعتي، هي بالنسبة إليّ مرضية وجيدة جداً، كما أن التعليقات والقراءات والدراسات النقدية، التي تناولت المجموعة من مختلف زواياها، أعطت المجموعة حقها بل وأكثر. لقد أحسست عندما صدرت مجموعتي، بنوع من الراحة والسكينة، وهذا هو الأهم عندي، من كل الأصداء، إذ شعرت بأنني أزحت من داخلي الكثير من الهموم والآمال والآلام، ودلقتها على هشاشة الورق، لكي لا يصبح هذا الورق مجرد لون أبيض باهت. پلماذا لم توثّق تجربتك الصحافية في مجلة"اقرأ"، إذ كنت مشرفاً على الصفحات الثقافية فيها؟ - تجربتي الإشرافية أثناء عملي في مجلة"اقرأ"مشرفاً ثقافياً، موثقة من خلال أعداد المجلة، وأيضاً سبق لي أن جمعتها ك"قصاصات"في ملفات، وما زلت محتفظاً بها حتى الآن، وأعود أحياناً بدافع الحنين لقراءة بعض مواد مضى على نشرها في صفحات الثقافة عشرات السنين. پهل أنصفك من كتبوا عن تلك المرحلة؟ - بعض الذين كتبوا عن تلك المرحلة التنويرية، أنصفوني كثيراً بدافع التزامهم بقول الحقيقة، والبعض الآخر عندما كتبوا عن تلك المرحلة ذكروا اسمي، ولمّحوا لدوري مروراً، وهذا بحد ذاته إنصاف وإن بدا ضعيفاً، وفريق ثالث تجاهل اسمي تماماً، ولكن معظمهم عاد وأشاروا إلى اسمي وأشادوا بدوري في تلك المرحلة المضيئة حقاً. عد بنا قليلاً، وحدِّثنا عن التجربة الصحافية: مدتها وأهم محطاتها، وأبرز رفاقك ومجايليك؟ - تجربتي الصحافية انحصرت في المجال الأدبي، أي في حدود الإشراف الثقافي، وإجراء الحوارات الأدبية، وكتابة الزاوية الأسبوعية"منحنى الوداع"في الملحق الثقافي الذي كنت أشرف عليه في مجلة"اقرأ"خلال الثمانينات، ودفعت ثمن جرأتي عبر تحقيق موسع في وزارة الثقافة دام أكثر من شهر، وتوقفت بعدها عن الظهور لعقدين من الزمن. أما رفاقي فأذكر منهم: عبدالله باخشوين، وسعد الحميدين وسباعي عثمان، وجارالله الحميد، وعبدالله بامحرز، وسليمان سندي وغيرهم. ما تعليقك على كتاب عبدالله مناع"بعض الأيام بعض الليالي"الذي صدر أخيراً، وتناول في جانب منه مشواره مع مجلة"اقرأ"؟ - ذكريات جميلة، خصوصاً ذكرياته التي رواها عن رحلته الطويلة مع معشوقته"اقرأ"، وأشكر الصديق الدكتور مناع، على لطفه عندما وصفني في زحمة ذكرياته، ب"الكاتب الجميل"لإسهامي - كما أشار - مع كتاب آخرين في كتابة"منحنى الوداع"الذي كان يحتل الصفحة الأخيرة في المجلة. مع أن إسهامي ونشاطي في المجلة لم يقتصر فقط على كتابة الصفحة الأخيرة، إذ إنني أشرفت على القسم الثقافي لسنوات عدة، بعد سفر الصديق عبدالله باخشوين، الذي كان مشرفاً على الصفحات الثقافية منذ تأسيس المجلة، ولظروف خاصة أشغلتني تركت الإشراف بعد أن أقنعت صديقي الراحل عبدالله باهيثم بتسلم ملف الثقافة، مؤملاً أن يستدرك الصديق المناع في طبعة الذكريات الثانية ما فاته في الطبعة الأولى. كيف ترى التحولات محلياً وعربياً؟ وما أثرها في النتاج الإبداعي؟ - محلياً، أرى أن تجربتنا الوطنية من خلال تحولاتها الجديدة، بدأت، خصوصاً، في مجالات الفكر والثقافة والإبداع، تتحرر كثيراً، من تعقيدات الماضي ومن أزماته المعوِّقة، وترسم للوطن وللإبداع، معالم جديدة ومساحات رحبة للحاق بالعالم المتحضر. أما عربياً، فالعالم العربي من محيطه إلى خليجه يعيش ويتفاعل مع التحولات الجديدة التي أصبحت تجتاح العالم بأسره.