في قضايا الأحوال الشخصية قصص وروايات شاهدها"محكمة الضمان والأنكحة"وبطلها زوج استغل ثغرات النظام، وضحيتها الزوجة المطلقة. فزوج يطلق زوجته دون علمها ومن ثم يعاشرها معاشرة الأزواج، فهذا يفجر تساؤلاً: أي حق قد انتهك وأي تجاوز لحدود الشريعة الإسلامية التي حفظت بدورها حقوق المرأة زوجة كانت أم مطلقة... فهل العيب في النظام... أم تجاوز وتهور الأزواج؟ في هذا التحقيق ضوء على نساء طُلقن دون أن يعلمن، يروين مرارة تجاربهن! وعلى رغم اختلاف ظروف تلك النسوة، وحبكة قصصهن، إلا أنها تتقاطع عند"المعاناة"والخوف من المستقبل والذنب. نورة 44 عاماً، تقول:"زوجي غائب منذ أكثر من سنة وكنت في انتظاره ولم أعلم بأني خرجت من عصمته قبل ثلاثة أشهر. كيف لي بتقبل الأمر؟ وكيف أحسب العدة؟". وتكمل تساؤلها بحرقة"كيف يثبت القاضي الطلاق دون حضوري أو حضور أحد من طرفي؟". فيما تروي مريم 42 عاماً:"لدي خمسة أطفال تجاوزوا سن حضانة الأم ماعدا الطفل الأخير، كنت خارج المملكة حينما طلقني والده، ولم أعلم بالطلاق الا بعد مضي ثمانية أشهر من عودتي، وكنت قبل ذلك علمت بزواجه من سيدة أخرى، حاولت جاهدة دفعه إلى طلاقها، لكنه بعد أن أظهر لي اقتناعه، فاجأني بأني المطلقة، وما دفعه إلى إخفاء الطلاق هو رغبته في ضم كل أطفاله إليه". أما سارة فتقول:"تشاجرت يوماً مع زوجي، وخرجت إلى منزل أهلي، وبعد شهر حاول مصالحتي وإرجاعي، وكان قد طلقني في هذه الفترة ولم أعلم. رجعت معه من أجل مصلحة أطفالي وخوفي من ضياعهم بعد الطلاق وأكملت معه ما يقارب الأسبوع، لكن أن أحد الجيران أخبرني بأنه كان شاهداً على طلاقي الذي كنت آخر من يعلم به. كيف لرجل يخاف الله أن يفعل هذا؟!". وتزعم المطلقة ندى أن لها قصة أغرب، فتضيف:"كنت متزوجة منذ أكثر من عامين إلا أنه قبل الدخول ذهب زوجي إلى محكمة الضمان والأنكحة وطلقني دون أن أعلم، واستمر في التحدث إليّ وزيارتي في المنزل والجلوس معي أكثر من شهرين، وطوال هذه الفترة لا أعلم بالطلاق وهو بدوره لم يصرح ولم يوضح نهائياً، ولخلاف شجر بيننا أبلغني بالخبر وأني مطلقة منذ أكثر من شهرين وأرسل لي نسخة من صورة الصك، وبالفعل بعد زيارة والدي للمحكمة تأكد مما جاء في صورة الصك ثم تسلم الأصل!". وتقول جميلة من جانبها إن فترة زواجها التي استمرت 11 عاماً لم تشفع لها في الحصول على نهاية سعيدة. وتزيد:"لم أقصر في حقه ولم أتصور يوماً بأن يطلقني فضلاً عن إخفاء أمر طلاقي، وحينما واجهته تعذر بندمه وخوفه علي من وقع الخبر، ثلاثة أسابيع وهو يعاملني كزوجة وأنا محرمة عليه!". وبالسؤال عن إجراءات الطلاق وكيف تتم، كان على الزوج المطلق أن يملأ النموذج الخاص بالطلاق الموجود في مكتب إصلاح ذات البين في محكمة الضمان والأنكحة، ويحدد في النموذج عنوان الزوجة أو والدها أو أحد أقربائها لإبلاغه بالحضور لتسلم أصل الصك، وقد يدعي الزوج عدم علمه بعنوان الزوجة أو الإدلاء بعناوين خاطئة! وبحضور شاهدين يوثق الطلاق، وقبلها يحاول القاضي التوفيق بينهما في حال حضور الزوجة فإن لم ينجح القاضي في التوفيق بينهما أثبت الطلاق، وفي حال عدم حضور الزوجة وإصرار الزوج على الطلاق يثبت القاضي الطلاق دون التأكد من علم الزوجة. ويرى المستشار القانوني عبداللطيف القحطاني أن هناك حالات طلاق كثيرة حدثت دون علم الزوجة، أدت إلى تجاوز القيود الشرعية، بما فيها ارتكاب ما حرّم الله أحياناً من معاشرة زوجة مطلقة، ربما لا تعلم أيضاً! واقترح القحطاني للحد من هذا النوع، ألا يتم"إثبات أو توثيق الطلاق للزوج دون حضور الزوجة أو أحد ذويها العدول، لأن ذلك من شأنه حفظ وحماية حقوق المرأة والرجل على حدٍ سواء". ومع أن الشريعة الإسلامية جعلت الطلاق حقاً للرجل دون المرأة، إلا أنها أوصت الزوجين بالمعاشرة بالمعروف وألا ينسيا"الفضل بينهما"حتى وإن أصرا على أبغض الحلال. الطلاق يقع حتى من دون علمها حول موضوع طلاق الزوجة من دون علمها، يتردد سؤال شرعي بحت: هل يقع هذا الطلاق أم لا؟ ومتى تبدأ عدة الزوجة من تاريخ علمها أو من وقوع الطلاق؟ عن ذلك أجاب الفقيه العلامة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله -، قائلاً:"الطلاق يقع، وإن لم يبلغ الزوجةَ، فإذا تلفظ الإنسان بالطلاق وقال: طلقتُ زوجتي، طلقت الزوجةُ، سواء علمتْ بذلك أم لم تعلم، ولهذا لو فُرِض أن هذه الزوجة لم تعلم بهذا الطلاق إلا بعد أن حاضت ثلاث مرات فإن عدتها تكون قد انقضت مع أنها ما علمت، وكذلك لو أن رجلاً توفي ولم تعلم زوجته بوفاته إلا بعد مضي العدة فإنه لا عدة عليها حينئذ لانتهاء عدتها بانتهاء المدة اه . فتاوى ابن عثيمين 2/804.