قبل أيام وصلتني رسالة عبر الجوال من البريد السعودي تفيد بأنه تم إصدار فاتورة صندوق البريد الخاص بي وبأنه بإمكاني السداد عبر البنك أو الصراف أو الهاتف أو الانترنت. بعد قراءة الرسالة انتابني كوكتيل من المشاعر"دهشة وغضب وغيرهما". في البداية شعرت وأنا أقرأ رسالة بالجوال من البريد وكأن صديقاً محباً للخير يتدخل في مشروع وساطة، ويقول إن فلاناً يسلم عليك ويطلب منك الشيء الفلاني، وأني في خضم علاقة ثلاثية معقدة. شعرت بالدهشة لأن وسيلة الاتصال التي تربطني بالآخرين، بحاجة لوسيط للاتصال بي. هناك مفارقة لا يمكن تجاوزها، أنا أدفع للبريد لأتواصل مع الآخرين والبريد بدوره يدفع للجوال ليتواصل معي. وهذا يشير إلى أن العلاقة مع هذا الوسيط متوعكة. ولا أعلم لماذا تذكرت الزبون الذي يتذمر من الطعام، ويسأل عن صاحب المطعم فيجيبه الجرسون بأنه يتناول غداءه في المطعم المجاور. شعرت بالغضب لأن القفزة النوعية في خدمات البريد ذهبت في الاتجاه الخاطئ بالنسبة لي على الأقل. تطوير طرق السداد ليس من أولوياتي في هذه العلاقة ونتائجه المنتظرة لن تؤدي إلا إلى تحسين أداء المشتركين على أقصى تقدير. وهذا ليس كافياً. الوفاء بالالتزامات هو خصلة جديدة ينوي البريد نشرها بين عملائه بعد أن غرس فيهم فضيلة الصبر. نحن ننتظر التحسن والتطوير في الخدمات وهم يفكرون في أقصر الطرق لزيادة الإيرادات. قبل مدة أعلن البريد عن تطبيق تسعيرة جديدة في رسوم اشتراكات صناديق البريد، بحيث فرض رسوماً مرتفعة جداً على الشركات في إجراء غير مفهوم ويتنافى مع بديهيات المنطق والاقتصاد والاعراف وكل شيء آخر. العميل الذي يعتزم رفع نسبة التشغيل لديك وينوي الاعتماد على خدماتك تعاقبه برسوم إضافية وكأنه عبء عليك، وكان من الأولى أن تعفيه من دفع الرسوم"كما تفعل شركات الهاتف والمراكز الطبية وغيرها". والرسالة الواضحة من هذا الاجراء هي أن البريد رغم أنه يود زيادة إيراداته، فإنه لا يبحث عن توسيع النشاط وزيادة معدلات التشغيل كما تفعل القطاعات الأخرى، ولذلك تحول الى مستثمر عقاري لا يرى أبعد من تأجير الصناديق الحديدية التي تكتظ بها مكاتبه، والأسوأ من ذلك أن هذا الاجراء أدخل موظفي البريد في مهمة تعجيزية وغير مفيدة، وهي حجب بريد الشركات ومنعه من التسرب عبر الصناديق الخاصة. في كل دول العالم المتحضر منها والمتخلف البريد يصل إلى عتبة الباب إلا عندنا لا بد أن تسعى للبريد بنفسك على طريقة البوفيه المفتوح اخدم نفسك بنفسك. خدمة إيصال البريد إلى المنازل ليست ترفاً بل مطلب اقتصادي واجتماعي ملح، والأسباب لذلك كثيرة جداً لعل أهمها: - الفرص الوظيفية الهائلة التي تصنعها هذه الخدمة. - مساعدة المشاريع الصغيرة، والتي عادة تبدأ من المنازل، في إيصال منتجاتها وخدماتها الى العملاء بتكلفة مناسبة، وكفاءة عالية، وهذا لن يتأتى إلا من خلال خدمة بريد عالية الجودة. - الشراء عبر"الإنترنت"ووسائل الاتصال الحديثة بحاجة الى شبكة توصيل مناسبة. - الزحام وما أدراك ما الزحام. - هناك فئات كثيرة من أفراد المجتمع ليس بمقدورها التردد على مبنى البريد بشكل يومي. باختصار شديد، كل القطاعات لدينا طالتها رياح التغيير ونالت نصيبها من التطور وارتقت خدماتها بشكل كبير الا قطاع البريد ما زال مستعصياً على التطور والتقدم. ولعل الاستعانة بخدمات الهواتف النقالة للوصول إلى عملائه هو بمثابة إشهار إفلاس وشهادة وفاة للبريد. لماذا هو بحاجة لخدمة الجوال لينوب عنه ويجعله"مرسال المراسيل". [email protected]