كلما فرحنا بإسدال الستار على قضية عنف اجتماعية، وأنها ذهبت بتفاصيلها وتبعاتها إلى مشروع مثالي، تفاءلنا وقلنا إن القادم من الأيام سيكون مختلفاً ولن نفجع مرة قادمة بحادثة جديدة، لأن الوعي بدأ يرتفع مؤشره إلى الأعلى، ولكن يبدو أن هذا المؤشر يشبه تماماً مؤشر الأسهم المحلية صعوداً وهبوطاً، ولم يعد أحد يتنبأ بمستقبله إطلاقاً. "غلبة"فتاة التاسعة عشرة التي ضربت ضرباً عنيفاً مبرحاً من قبل عمها شقيق والدها، آخر الضحايا التي أفرزها التشنج الاجتماعي تجاه كل ما يتعلق بامرأة، الضرب الذي تعرضت له هذه الفتاة لم يكن في غرفة نومها، ولا في فناء منزلها، بل في أحد الممرات داخل مركز شرطة، وهنا تبرز المشكلة الأكبر حين يستنجد إنسان بمن يحميه من اعتداء فينال ما يخاف منه في أحضان من ذهب يستنجد به. مجتمع لا يزال يفرد عضلاته على الفتيات يحتاج إلى صعقات كهربائية ليستقيم ويتزن، ومجتمع لا يعبأ بقانون ولا نظام ثقة في أن هناك من يسنده، يفترض أن ينال العلقة الساخنة ذاتها التي يتباهى بمنحها أين ما يريد ووقت ما يشاء. تطالب"غلبة"بمن يحصل لها على حقها، والمجتمع المتعاطف العاقل يطالب بأن يكون قرار الولاية للفتاة للشخص الذي يستطيع تأمين الحماية لها لا الذي يشبعها ركلاً ورفساً وضرباً، هي لا تستطيع تأمين محامٍ لها حتى تحصل على حقوقها كافة التي سلبت منها، وفي حالة كهذه لا بد أن يقف أصحاب القرار معها، فهي إن احتاجت لأحد طيلة حياتها فلن تحتاج له مثل ما هي محتاجة له الآن... أحياناً ألوم الأب، وأحيانا الأم، وفي أحيان كثيرة أتأكد أننا الوحيدون الذين يجتهدون كثيراً في مصانع الإنتاج، لكننا لا نهتم مستقبلاً بنجاح المنتج بل نلقيه للآخرين وتغرينا الحياة بمصانع جديدة، ولعل"غلبة"كانت منتجاً لم يلق العناية الكافية، فنال العقاب الكافي ولكن من القريب"العم"! ضحايا ك"غلبة"وقضايا مشابهة لقضيتها لا يحلها إلا قرارات قوية ورادعة هروباً من أن يأمن الفرد العقوبة فيسيء الأدب، ولو عرف كل متهور متسرع أن وراء تصرفاته عواقب كثيرة لتوقف كثيراً قبل الشروع في أي عمل ولفكر كثيراً. المخيف انه قد يضغط على فتيات يمارس عليهن مثل هذا القمع الذكوري فيتنازلن عن حقوقهن لأنهن قد يحرمن من حقوق مستقبلية ويُرْبَط التنازل بهذه الحقوق، في ظل غياب المتابع وكونهن بعيدات عن الشكوى وطرح قضاياهن وتتغطى القضايا تحت غطاء القبيلة والعيب، ونحن أدرى بمصلحتهن أكثر من غيرهم وما يشبه من هذه التقرحات، وبهذا لا يقترب أحد من الخوض في التفاصيل أو إبعاد الأذى، لنشاهد"غلبة"جديدة ومأساة أكثر ألماً! [email protected]