أقدم أربعة مواطنين على قَتْل أحد الأشخاص - رَمْياً بالرصاص - أمام احد المساجد، عندما كان يَهِّم بالنزول من سيارته لأداء صلاة الظهر، بسبب أن الضحية انتقص من قدر قبيلتهم، وحصلت مشاجرة بين شابين صادفت مرور شابٍ آخر شاهد الغلبة للشاب الذي لا ينتمي لقبيلته، وبعد استغاثة ابن أخيه به تحت اسم"القبيلة"تناول عصا غليظة وضرب بها رأس الخصم وارداه قتيلاً! مهاترات ومشادَّات كلامية في احتفالٍ قَبَلِّي نظير تجاهل منظمي الحفلة لأفخاذ بعض أفراد القبيلة لحظة تكريم، وانتهت بتدخل الشرطة! ما مضى صور واضحة للتخندق وراء منظومة القبيلة، والتقليل من شأن مؤسسات الدولة، القائمة على اعتبار أنها المرجعية الوطنية للجميع، وبالتأكيد أن هذه الصور البارزة في الواجهة للواقع الاجتماعي الذي نتعاطى معه ونشاهده، تبعث فينا كثيراً من القلق، وتضرب بقوة في عمق مجتمعٍ غالبيته تنتمي لقبائل، ليخرج جيلٌ يتجاوب مع كل هذه التوترات والانتماءات ويتناسى وحدة الدين، ووحدة الوطن، ولا يدرك حلاوة العيش بعيداً عن كل هذه الضوضاء، وصَخَبِ هذه المشاحنات التي تجرح نسيج الوطن العملاق. لقد باتت روح القبيلة والتعصب لها، على حساب الولاء للوطن والوحدة الوطنية، متغلبة على عقليات جزء كبير من المجتمع، تتداخل لديه المفاهيم والرؤى، وبالتالي يدخل في حال فصام شخصي بين الولاء للدولة أو القبيلة، وأيهما يقدم على الآخر؟ إن إهمالنا للنظر في الظواهر الاجتماعية المُصَاحِبَة للتحولات الطارئة بين حين وآخر مؤشر خطير على ظهور وتفاقم أزمات اجتماعية، وتصاعدها في مرحلة نحن في أمس الحاجة لأن نبتعد عن كل ما يثيرها، كي لا نعود بواقعنا للوراء مئات السنين بذات التركيبة العصبية."القَبِيْلَة"وحدة اجتماعية قابلة للتطوير والاستثمار، خصوصاً إذا كان ذلك على أساس التعاون والتكاتف والإصلاح، ولكن"القَبَلِّيَة"- بمفهومها العنصري والعصبي الضيق، ومع كثير من المستجدات الحياتية العصرية والمفاهيم الحديثة للعلاقات الوطنية والإنسانية - تضعنا في زوايا مغلقة، وسنظل ندور وقتاً طويلاً في دائرة مفرغة قد لا نخرج منها إلا بشق الأنفس. أعتقد أن ظاهرة التعصب للقبيلة وما يرتبط بها من نشاطات ثقافية، خارج إطار الوعي الوطني والقانوني، هي استدراج للعنصرية القبلية وكأنها طبق من ذهب، هذه الظاهرة وما يتم التعبير عنها من الاحتفالات تستنزف مبالغ طائلة وتستقطب إعداداً هائلة من أفراد المجتمع، لابد أن يتم تقديم برامج ثقافية توعوية تحارب التعصب والنعرات القبلية، بما يصب في مصلحة الوطن في المجالات البيئية والاجتماعية والعلمية، لا للتمظهر والتنافس القبلي غير المقبول. [email protected]