لا نزال ننتظر عيد الكريسماس الذي سيحل في ساعات يسيرة، ليذكرنا بثقافة تبادل الآراء حول الأنبياء العظام، الذين سطرت سيرهم بمداد النور، ولم ينقص من عظمتهم في ثقافتنا الإسلامية أنهم يحملون في طيات أنفسهم مع العصمة الإلهية سيماء البشر المخلوقين. استعرضنا في الجزء السابق من هذا المقال الأسبوع الفائت عدداً من الصفات البشرية التي تؤكدها نصوص الأناجيل، وها نحن أولاء نتابع طرحنا... يعبر المسيح عليه السلام عن طبيعته البشرية التي منها الخوف. فقد ورد في إنجيل يوحنا 11/53-54:"فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه. فلم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية". وفي إنجيل يوحنا أيضاً 12/27:"الآن نفسي قد اضطربت"، واضطرابه دليل واضح على بشريته، لأنه لم يك يعلم ما يخبئ له المستقبل. وذاك الاضطراب كان نتيجة لعلمه الآني بما كان يجهله أصلاً ولم يكن يتوقعه. والاضطراب هو نوع من الخوف. بل كان المسيح عليه السلام يُضطهد كما جاء في أعمال الرسل9/4:"قائلاً له: شاول شاول لماذا تضطهدني ؟". ثم إن المسيح عليه السلام كان يصوم ويعتريه الجوع، وهذه من صفات البشر. ثم لمن كان يصوم، ويصلّي، ويسجد، ويتعبد، ويشكر إن كان إلهاً؟ فقد ورد في إنجيل لوقا 6/12:"وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة لله". وفي موضع آخر من الإنجيل ذاته 10/21:"قال: أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض". وجاء في إنجيل متى 4/8:"للرب إلهك تسجد وإياه تعبد". وفي إنجيل يوحنا 11/42"وقال: أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي". في معظم الأحيان كان أنصار المسيح عليه السلام وأتباعه، وحواريوه ينادونه بالمعلِّم. وكلمة"معلِّم"تدل على من تعلَّم وعلَّم بما تحمله من المعاني البشرية منذ خلق آدم. ولقد ورد ذكر هذه الكلمة في الأناجيل الأربعة وفي مواقف ومواضع عدة، منها ما ورد في إنجيل يوحنا 4/31:"وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين يا معلم كُل". كما ورد في إنجيل لوقا 8/24 الجملة التالية:"فتقدموا وأيقظوه قائلين يا معلِّم يا معلِّم إننا نهلك". وفي إنجيل لوقا 7/40 وردت بنص آخر:"فأجاب يسوع، وقال له: يا سمعان، عندي شيء أقوله لك، فقال: قل يا معلِّم". وكذلك ورد في إنجيل متى 22/ 37"فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسين قائلين: يا معلم نعلم إنك صادق". وفي الأناجيل: متى 19/16، ومرقس10/17-18، ولوقا 18/18-19 ورد النص الآتي:"وأقبل إليه شاب وقال له: أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل من الخير لأنال الحياة الأبدية. فأجابه يسوع: لماذا تدعوني صالحاً؟ لا صالح إلاَّ الله وحده، إذا أردت أن تدخل الحياة فاعمل بالوصايا". ثم ها هو ذا المسيح عليه السلام يعترف أنه"معلِّم"من نفسه دون أن يضيف على هذه الكلمة أية إضافة أخرى، ولم يقل: أنا الله، أو ابن الله، أو أقنوم ثان.فقد ورد في إنجيل يوحنا 13/:"أنتم تدعونني معلِّماً وسيداً"وحسناً تقولون، لأنه أنا كذلك". فهو لم ينه ولم يمنع تلاميذه على مناداته بهذا الاسم، بل استحسنه، ولو كان إلهاً لما وافقهم على هذه التسمية، بل على العكس من ذلك فقد استحبه. وفي إنجيل متى 23/ 8" وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح". المسيح عليه السلام هو رسُول الله عز وجل ونبيه. وقد اعترف المسيح عليه السلام في الأناجيل الأربعة بأنه نبي. ففي إنجيل متى جاء قوله 27/35:"لكي يتم ما قيل بالنبي، اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا القرعة". وفي موضع آخر من الإنجيل ذاته 13/35:"لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بالأمثال". ويقول في إنجيل متى 13/57:"ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته". وهذا اعتراف صريح منه بأنه نبي. كما ورد في أعمال الرسُل 3/22 نبأ موسى عليه السلام بقدوم نبي بعده ومثله:"فإن موسى قال للآباء: إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من أخوتكم". وورد في إنجيل يوحنا 9/17:"قالوا أيضاً للأعمى: ماذا تقول أنت عنه - ويقصد هنا المسيح عليه السلام - من حيث إنه فتح عينيك؟ فقال: إنه نبي". وورد في إنجيل يوحنا 4/19:"قالت له المرأة: يا سيد، أرى إنك نبي". وكذلك ورد في إنجيل متى 21/11:"فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل". وفي إنجيل لوقا 13/33:"بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم". وفي إنجيل يوحنا 7/40:"فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا: هذا بالحقيقة هو النبي". وورد في إنجيل متى 21/46:"وإذا كانوا يطلبون أن يمسكوه، خافوا من الجموع، لأنه كان عندهم مثل نبي". كما ورد في إنجيل لوقا 11/49:"لذلك قالت حكمة الله إني أرسل إليهم أنبياء ورسلاً فيقتلون منهم ويطردون"، وهنا المسيح عليه السلام يتكلم عن نفسه بأنه نبي ورسول كغيره من الرسل. وفي نص آخر من الإنجيل ذاته:"الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً". نكمل في الأسبوع القادم ... * باحث في الشؤون الإسلامية.