أعبر منحدر التل ينزلق، تتدحرج الحصى تحت قدميه العاريتين على قمة التل جدران ملساء عالية من البعد تبدو كصندوق نبتت على أركانه حجرات صغيرة، تربطها أسلاك كحبال الغسيل، مشدودة بإحكام، امنحوني الوقت. يقول ذلك بفرح كبير، وينزلق أحياناً تتدحرج الحصى أمامه وفي أحايين تكون خلفه، في سماء الصندوق تغني صفارات في غير فرح، فتتناسل رؤوس تعتمر قبعات صخرية تذرع جوانب الحجرات، قلقة ومتوترة، ترمي عيونها بشرر تكاد تشتعل له كل السفوح المجاورة. الجدول يتهادى صافياً زجاجياً، عند قاع المنحدر، حيث تنمو الحياة عبر عروق الحشائش، وحيث تبتسم في صورة زهور بيضاء. قلبه يتراقص كفراشة، يكاد يحلق ليسبق جسده، ثم ليحط على ضفة الحياة إلى جوار حمائم وعصافير ملونة. بعض الوقت. الآن يسبق الحصى، لتسيل على مسافة خلفه، يتنفس رائحة الحشائش، ندية وراوية، يراها خضراء ومتراقصة ويخالها فرحة،لا يشعر بوخز الصخور المدببة وراءه يخلفها، تزينها بقعها الحمراء. نسمات باردة تعابث شعيرات بيضاء على مساحة صدره المفتوح، يتمنى لو تتسلل إلى أعماقه، فتسير عبر أوردته إلى حيث تسكن في زوايا روحه. يقترب، لا يلوي على شيء، وعند بداية استواء الأرض، يهرول ويهرول ويعدو، يداه مشرعتان، خطوات بينه وبين الحياة، خطوتان، خطوة واحدة... تقبله زهرة بيضاء على عجل تقبله، وتحت قدميه تنحني الحشائش، وتسجد تحت ركبتيه، ثم إلى الماء، يبسط كفيه. لكنها تأتي، لا تدحرج الحصى ولا تلونها، زمنها صرخة في فضاء الكون، من الخلف تأتي، مجنونة، قاسية ونحاسية، نحلة بلا أجنحة، تتله للماء بعد أن تستقر بين خلايا ظامئة، هذا كل شيء. يضيء وجهه، يرسمه بفرح الانتصار، وفي هدوء، يلتقي الموت بالحياة، وحينها، لا يلبث الجدول إلا أن يتلون بحمرة طافية!