في إحدى غرف متحف"اللوفر"في باريس، يمكن للزائر أن يرى لوحة بركانية سوداء حُفِر عليها بلغة لم تكشف إلا في القرن الماضي الجملة الآتية"لقد أتى حامورابي إلى هذه الأرض ليقيم العدالة ويمنع القوي من الإساءة للضعيف"، إن النقش على هذا الحجر الثمين يُسمى"شريعة حامورابي"الملك البابلي الذي حكم ما بين النهرين قبل"2400 سنة". في المجتمعات الإنسانية الحق والعدل من أهم دعائم الحياة وركائزها، فإذا ما تصدعت هذه الدعائم وتحكمت لسبب ما وَهِن المجتمع، لأن عزيمة الفرد تصاب بالضعف والقصور والاخفاق، وبدوره الاخفاق يؤدي إلى الفشل، والفشل يولد التعب، والتعب يبعث على استصعاب العمل، وبالتالي يفضي إلى اليأس والتقهقر، ما يؤدي إلى تخلف المجتمعات وركودها، وفي الحياة الإنسانية لا يعلو على الحق إلا الحق الذي شرعته جميع الكتب السماوية، وأحقه الله لعباده ولجميع مخلوقاته الحية"الحيوانات والنباتات". من حقائق الحياة أنها ليست منصفة بسبب نفوس البشر وشرههم وحبهم للذات، فالبعض الأنانية عندهم لا تعرف الضمير، وآخرون شعارهم في حياتهم الدنيوية كل شيء لي للحفاظ على كياني، لذا لا بد من قانون قوي مؤمن بالحق والعدل، متمسك بقيم وفضائل إنسانية، يمنع القوي من استغلال الضعيف، ويردع القاسي عن الإساءة لمحب السلام، ويُنصف الضعيف"اجتماعياً وفكرياً وجسدياً"حتى يسمع صوته ذاك الصوت الخافت الذي يصرخ بصمت"أنصف يا زمان فأنا إنسان كرمني الله وظلمني أخي الإنسان...". رحلا بعد معاناة كانت حياتهما متخبطة غير منصفة، لحظات الفرح فيها قليلة، سرعان ما تمحوها آلام وسعي وراء لقمة العيش، هو وراء عربته الخشبية المحملة بالخضار، يجوب بها شوارع البلدة وأزقتها، متجاهلاً آلام ظهره وقدميه، وهي وراء ماكينة الخياطة تحيك وتخيط وتُصلح ملابس أهل الحي الفقير، المردود المادي قليل ولكن الهم كان كبيراً، لا بد من تأمين دار تأوي العيال ويطمئن القلب بعد الرحيل، فهناك بين الأخوة الثلاثة أخ ضعيف القلب بسيط التفكير، عمره يناهز ال 25 عاماً ولكن تصرفاته وردود فعله واستيعابه لمجريات الأمور في الحياة لا يتعدى تفكير طفل صغير. أوصى الوالدان الأخين الكبر والأصغر بأخيهما الضعيف، راجين منهما حفظ حقه"حق معيشته بكرامة وحفظ حصته في ذاك المنزل الصغير"... تزوج الشابان فأصبح ضعف أخيهما عبئاً عليهما وعلى زوجتيهما، فضاق المنزل بهم وبأفكارهم، ببساطة تخلصوا من الحق ومن أخيهما، تركوه هائماً خائفاً شارداً في طرقات بلدة بعيدة غريبة عنه وعن إدراكه البسيط...! هناك زوجات ببساطة يتخلى الأزواج عن خدماتهن كزوجات وأمهات وراعيات للعائلة، ويُستبدل بهن أخريات"لأسباب تافهة ولحقوق يشرعها البشر"، يرفضها الدين والشرع وتؤكدها المصلحة الشخصية للزوج والأهواء الانانية، تحرم بعض الأمهات من أبسط الحقوق الإنسانية، رؤية أبنائهن ورعايتهم والتعويض عن سنين ذهبت هباءً وخرجن خالين الوفاض، لا زوج ولا بيت ولا أولاد...! السبب كما يبرره البعض من الأزواج،"أن الزوجة لم تعد صالحة، تقدم بها العمر"، والبعض يقول"أريد زوجة صغيرة تزهز حياتي، من حقي التغيير وتجديد حياتي"، من دون أي اعتبار لحياة وكرامة الإنسان"الأبناء والزوجة"، كثيرون هم في الحياة يقاتلون ويسعون لحقهم وهم غافلون ومتناسون حق الآخر عليهم، أمثال هؤلاء أليسوا في حاجة لقانون وضعي عادل وصارم بعد أن ضاع ومات عندهم قانون الضمير الإنساني والإيماني؟ في الدول المتقدمة سُن قانون لحماية الضعيف، وذلك بتوفير محاكم محلية صغيرة في كل منطقة مأهولة، يتولاها أشخاص عرفوا بالنزاهة والحكمة والدراية بأهل المنطقة، هذه المحاكم تمتد فروعها لتلتقي بدار العدل الكبرى وهي المحكمة المركزية. وذلك كي يسهل الأخذ بيد الضعيف والبسيط المغلوب على أمره الذي لا دراية له ولا معرفة بكيفية الوصول إلى حقه، هذه المحاكم المصغرة توفر الحماية المحلية لقاطني المنطقة، وهي فكرة معقولة ومنصفة، خصوصاً ونحن في زمن غاب فيه الضمير وتغلبت المصالح الشخصية والأهواء الدنيوية البعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الحنيف على كل ما عداها. شهر زاد عبدالله - جدة