أجمع مراقبون حضروا القمة الاقتصادية العربية، التي اختتمت أعمالها في الكويت أمس الثلثاء على أنه على رغم خلو بيانها الختامي من المطالب، التي تمسك بها من أضحوا يعرفون ب"المعتدلين"و"الممانعين"، إلا أن براعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تغيير دفة سفينة قمة الكويت لتتحول باتجاه المصالحة وتجاوز الخلافات، أدت إلى استعادة العلاقات العربية - العربية قدراً من الدفء. وبفضل"مفاجأة"المصالحة التي أعلنها الملك عبدالله، ورسختها البشاشة التي أشاعها منذ دخوله قاعة القمة وسط التوتر الملحوظ، الذي كان يسود وجوه بعض الزعماء العرب ترقباً لأسوأ الاحتمالات، تحولت قمة الكويت إلى منتدى سياسي بامتياز انبرى لمناقشة التحديات الكبرى التي تواجهها الشعوب العربية. لم تكن أجواء القمة في مستهلها تبشر بكثير من علامات النجاح. فقد كان ملحوظاً التوتر على وجوه زعماء عرب أتوا إلى الكويت متحفزين لمواجهات حسبوها حتمية، في أعقاب قمم الرياض الطارئة والدوحة وشرم الشيخ. وكان الحضور يحبسون أنفاسهم استعداداً لأي خروج محتمل عن"النص". واستمر التوتر حتى بعدما ألقى الرئيس المصري حسني مبارك كلمته أمام القمة، وتضمنت حدة تجاه بعض الأطراف المشاركة في قمة الكويت. غير أن دخول خادم الحرمين إلى قاعة القمة أضفى بشاشة على عدد غير يسير من الحضور. وعندما لاحظ الملك عبدالله تفاقم وتيرة القلق بعد حديث الرئيس مبارك، استدعى وزير خارجيته الأمير سعود الفيصل، وتبادلا حديثاً خافتاً ما لبث بعد انتهائه أن عاد الوزير إلى مقعده. واستدعى الملك عبدالله رئيس المراسم الملكية الذي أصغى لما قاله له. واتضح أن خادم الحرمين كلف رئيس مراسمه بنقل رسالة شفوية عاجلة إلى مضيف القمة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، طالباً منه منحه الفرصة لإلقاء كلمة لم تكن مدرجة في جدول أعمال الجلسة الافتتاحية العلنية. وما إن فرغ أحد المتحدثين من كلمته، حتى بادر أمير الكويت لإعلان أن ملك السعودية طلب منحه فرصة مخاطبته القمة. لم يكن خادم الحرمين بحاجة إلى"تشخيص"لحال العلاقات العربية - العربية، بَيْدَ أن التوتر الذي ساد بعض الوجوه داخل القاعة أهداه قراءة شاملة للأوجاع العربية، فاتخذ قراره السديد بأن يلقي كلمة تعلن الصفح والتصافي والمصالحة العربية، حتى تعود"كرامة العرب"بعيداً عن إهانات الأطراف العدوانية. ومثلما تتسلل النسمة الباردة إلى غرفة ساخنة، أشاعت روح التسامح ونبذ الخلافات جواً من الهدوء في القاعة المفعمة بالتوتر والترقب. ورأى المراقبون - في ما يشبه الإجماع ? أنه على رغم أن البيان الختامي لقمة الكويت تعمد إهمال ما نادى به المعتدلون والممانعون على حد سواء، إلا أن خادم الحرمين الشريفين حقق - في نهاية المطاف - ما رمى إليه وما أراده مئات الملايين من أبناء الأمة العربية: أن تستعيد العلاقات العربية قدراً من الدفء. وأدرك حضور المؤتمر أن الملك عبدالله لم يرد تحقيق مكاسب شخصية ولا مصلحة قطرية ضيقة، بل أراد ترميم المواقف العربية، وإعادة اللحمة إلى الوحدة العربية وتنقية الأجواء، حتى يتسنى لقادة الأمة مواجهة التحديات الجسام التي تواجه شعوبهم، فهناك ما يهدد الرئيس السوداني عمر البشير من احتمال صدور امر قبض دولي بحقه، وما يعانيه الفلسطينيون من عدوان عليهم وانقسام في ما بينهم، وما يواجهه العراق ولبنان والصومال. وبفضل كلمة الملك عبدالله والأجواء الايجابية التي أشاعتها، تحولت القمة إلى منتدى سياسي رفيع المستوى، ضمن النجاح لقمة الكويت، وهو نجاح سعى إليه خادم الحرمين بدعوته لعقد قمة خليجية طارئة في الرياض، أسفرت عن تقليص التباين في آراء دول المنطقة، وبناء أساس متين لموقف إقليمي موحد بقي متماسكاً حتى لحظة انفضاض قمة الكويت. وخرج الوفد السعودي من قاعة القمة بلا مرارات ولا حزازات، وهم يدركون أن مبادرة السلام العربية، وهي اقتراح تقدم به أصلاً الملك عبدالله إلى قمة بيروت العربية عام 2002، وتبنته رسمياً القمم اللاحقة التي استضافتها عواصم عربية لا تزال مطروحة، ليس فحسب لان العرب ? كما ورد في كلمة الملك عبدالله ? ليست نيتهم إعلان الحرب، ولكن لأنهم لا يملكون"خريطة طريق"بديلة تقودهم إلى نقيض السلام. ووضعت كلمة الملك عبدالله نقاطاً على الحروف، ليفهم الطرف الغاصب للأرض، أن مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة إلى الأبد. وبلغ احتفاء الزعماء والوزراء العرب بخادم الحرمين ذروته، حين أعلن تبرع شعب بلاده ببليون دولار لإعادة اعمار ما دمره العدوان الاسرائيلي الغاشم في غزة. ولذلك لم يكن مدهشاً أن يصفقوا له كثيراً، تقديراً ل"شهامة"الموقف السعودي في نصرة الضعيف، وتأكيد معاني الأُخوة الحقَّة. وربما لذلك سارع صحافيون ومراسلون تابعوا قمة الكويت للقول بأن الموقف التاريخي للملك عبدالله بن عبدالعزيز، هيَّأ للقمة العربية الدورية المقبلة التي ستعقد في العاصمة القطرية الدوحة أسباب النجاح. وتوقعوا أن تشهد الفترة المقبلة تكثيفاً لديبلوماسية صدّ الخلافات، وعدم"شخصنتها"، والتعويل على الزيارات المتبادلة، وتفعيل لقاءات الوفود الثنائية والإقليمية، حتى يتعظ العرب بحق من دروس العدوان على غزة، والإفرازات الخطيرة للانقسامات التي سادت العلاقات والمواقف حتى بُعيد التئام شمل قمة الكويت.