مع لحظات الفجر الأولى، يستيقظ الحاج أبو مصطفى من النوم، لأداء الصلاة، ومن ثم التوجه إلى مزرعته الصغيرة في الجهة الشرقية لبلدة العوامية محافظة القطيف، لجني محصوله من الطماطم، إذ يخصص هذه الأيام، تحديداً، لزراعة الطماطم فقط. يملك أبو مصطفى، مزرعة صغيرة في"الرامس"، وهي إحدى المناطق الغنية بالنفط، وتقع على ساحل الخليج العربي، واشتهرت قبل فترة طويلة بالزراعة. ولعل أهم تلك المنتوجات على الإطلاق هو"الطماطم الرامسي"، نسبة إلى هذه المنطقة، التي اكتسبت هذه الشهرة من خلال إنتاجها لهذه الطماطم العجيبة. ويقع الرامس شرق العوامية محافظة القطيف ويخترق البلدة طولاً طريق معبد، يربط بين طرفي واحة القطيف الجنوبي والشمالي. وما ان تخترق هذا الطريق الطويل خلال هذه الأيام، حتى ترى الباعة يفترشون جنبات الطريق، وبخاصة في"فريق الشملي". هنا يجالس أبو مصطفى مجموعة من المزارعين، الذين يعرضون"الطماطم الرامسي"بعد قطفها من مزارعهم مباشرة، فيقبل عليهم عدد من الزبائن من مختلف محافظات المنطقة الشرقية، وبخاصة ان هذه الطماطم تجد شهرة واسعة، نظراً لطعمها الغريب، الذي يختلف تماماً عن طعم الطماطم العادية، إذ يجمع بين طعم الخضار والفاكهة. ويعود السبب إلى تربة"الرامس"، كونها تقع على ساحل الخليج العربي، وهي في الأصل أرض منخفضة، وتصل إليها مياه البحر في أوقات المد، التي تسمى محلياً ب"السقي". وتختزن أرض الرامس الأملاح المعدنية من هذه المياه، لتكون تلك الأملاح أحد أهم العوامل التي تميز الأرض. وتتميز"الرامسي"بطعم سكري، على رغم كون الطماطم في العادة تتميز بملوحة خفيفة، إلا أن"الرامسي"تتميز بهذا الطعم، الذي اكتسبته من خلال طبيعة الأرض، إضافة إلى شكل الطماطم، التي يتميز باللونين الأخضر والأحمر في شكل متناسق. وفي السابق، كان المزارعون يعتمدون على مياه العيون لسقي هذه البساتين، إذ كان طعم"الطماطم الرامسي"يختلف في شكل كبير عما هو عليه الآن. إلا انه يبقى مختلفاً عن سائر الطماطم، إذ كان المزارعون يعتمدون على البقايا البشرية، إضافة إلى الأسماك الصغيرة التي تسمى"العومة"، لاستغلالها كسماد طبيعي لزراعة الطماطم، إضافة إلى مياه العيون النقية والمليئة بالمعادن، فيما تغير ذلك قبل نحو 30 عاماً، إلى ما هو عليه حالياً. وتحوي"الطماطم الرامسي"على الكثير الأملاح المعدنية والفيتامينات، خصوصاً"ج". وينصح بأكلها للمصابين بالإمساك، والسكري والقلب، إذ أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أهمية تناول عصير الطماطم في خفض النشاط في الصفائح الدموية لدى مرضى السكري، ما يساعد في حمايتهم من الإصابة بالجلطات القاتلة. ويقول سعود المزين، وهو أحد أبناء البلدة، ويملك محلاً صغيراً لبيع الخضار والفواكه:"الطعم تغير عما هو عليه قبل ثلاثة عقود، بسبب اعتماد المزارعين حالياً، على الأسمدة الصناعية ومياه الآبار، بخلاف ما كان عليه سابقاً، حيث الأسمدة الطبيعية ومياه العيون الحلوة، إضافة إلى اهتمام المزارع بنفسه في كل حبة طماطم في مزرعته". فيما يقول محمد سلمان الدبيسي:"لا يخلو شارع"الشملي"يومياً، خلال هذه الفترة، من وجوه جديدة، تأتي من خارج البلدة، من أجل هذه الطماطم، بعد ان وصلت شهرتها إلى عدد من مناطق المملكة المختلفة، حتى أن أوربيين مقيمين في المملكة عندما يأتون إلى العوامية، يسألون عن هذه الطماطم، لأنهم سمعوا عنها، ووصلت شهرتها إليهم". ويبدأ محصول الطماطم الرامسي من شهر كانون الأول ديسمبر، وحتى شهر أيار مايو. ويُباع سعر الكيلو بنحو سبعة ريالات، في ذروة موسمه. وساهمت برودة الطقس خلال السنتين الماضيتين، في تواضع المحصول المنتج من مزارع الرامس في شكل عام، بسبب تأثر الشتلات بدرجات الحرارة المنخفضة، التي ساهمت في تلف الكثير من المحاصيل.