تكرر لفظ الخشية في القرآن الكريم عشرات المرات، في صور ومعانٍ مختلفة، وما يهمنا هنا هي الخشية ذات الصلة بالمعتقد، أي وجه المقارنة بين مخافة الله ومخافة الناس، وما يحيط بها من محاذير تصل إلى درجة الإخلال بصحة المعتقد، كما في قوله تعالى"فلا تخشوا الناس واخشوني"الآية 44 المائدة..."إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية"الآية 77 النساء... وفي السنة النبوية أحاديث تحاكي هذه المقارنة، منها على سبيل المثال ? قوله صلى الله عليه وسلم:"الإثم ما حاك في نفسك وخشيت أن يطلع عليه الناس". ودلالة ما تقدم أن هناك صراعاً في نفسية الإنسان بين الخشية من الله والخشية من الناس، هذا الصراع له جانبان: جانب خفي يعلمه الله تعالى، ولا يريد الإنسان إظهاره للناس، لتعارضه مع نصوص وموجهات دينية ونظامية آمرة في المجتمع، ومن مظاهر هذا السلوك، على سبيل المثال: ممارسة متعة أو شهوة محرمة، أو الحصول على الأموال، أو المنافع من الناس أو الدولة"بيت المال"بطرق لا يقرها دين ولا نظام، كالسرقة أو الاختلاس أو خيانة الأمانة أو استغلال النفوذ تحت أي سبب مظهري معلن، وجانب علني ظاهر للناس ? هدفه الأساسي إخفاء المظهر الخفي تحت أي مسمى أو مبرر، كالمظاهر العلنية الكاذبة قولاً وفعلاً، والنفاق والرياء والتقية... الخ. الإنسان بهذين المظهرين"الخفي والمعلن"، للأسف، يُغلب الخشية من الناس على الخشية من الله، وهو بهذا يجعل من الناس نداً لله تعالى في المعتقد، ما يعني دخوله في محظور شركي صريح، لتعارض هذا المظهر مع النصوص القرآنية، التي يوجد لها مثيل بصور أخرى في الشرائع والكتب السماوية الأخرى. وفي نصوص نظامية آمرة في كل دولة، تُعرف في بعض التشريعات بجرائم الأموال، وهي جرائم جنائية لا سبيل إلى الاستثناء منها أو التسامح في عقوباتها القسرية، بل إن بعض هذه الجرائم، كالاختلاس وجريمة استغلال النفوذ ممن هم في قمة الهرمين الإداري والسياسي في دول آسيوية وأوروبية وأميركية وافريقية - كما تنشر الصحف دائماً - قد طالت هؤلاء المسؤولين الكبار، ولم تمنعهم حصانتهم أو مناصبهم السياسية أو الإدارية من المساءلة الجنائية عن تصرفاتهم المخالفة للأنظمة. ولعل أقرب مثال على ذلك ما حصل لحكومة الكويت منذ شهر عندما حجب البرلمان الكويتي الثقة عنها وعرضها للمساءلة القانونية وأقالها بسبب مخالفتها للنظام العام، لسماحها بدخول ديبلوماسي إيراني إلى ارض الكويت، مع انه ممنوع من دخولها لأسباب دينية وسياسية. ما دامت كل الشرائع السماوية تدعو الى توحيد الإلوهية لله تعالى وحده دون غيره، وبالتالي تغليب الخشية منه على الخشية من الناس، فلماذا تغالط نفسك بممارسة سلوكيات خفية غير شرعية في سبيل الحصول على متعة أو شهوه محرمة أو منفعة أو مال، تعلم أنك لا تستحقه لا شرعاً ولا نظاماً، ومع ذلك تستحله لنفسك لمجرد انك حصلت عليه بتبرير أو سبب مظهري كاذب قولاً وفعلاً. هدى إبراهيم - الرياض