في رمضان تصفد الشياطين كما ورد في الحديث النبوي الكريم، فلا يستطيعون تحقيق المآرب، ولا تعزيز الشر، وتخف وساوسهم كثيراً، ويلحظ الصائم في نفسه إقبالاً على الخير والطاعة، وابتعاداً عن الأذى والكسل، إلا أنه قد يدس أنفه في ما لا شأن له فيه من عوالم الشياطين الغامضة، فيحرص على الإلمام بأسمائهم وصفاتهم وطبيعة معاشهم وتنقلاتهم، ومن قرأ رواية الجنية للدكتور المبدع غازي القصيبي وقف على حوارٍ طريفٍ بين جني هزلي اسمه قنديش، وبين مخلوقِ بشري اسمه ضاري هو بطل الرواية الأول بلا منازعٍ، وفيها نقاش لا يخلو من طرافةٍ غارقةٍ في السخرية اللاذعة، من تهافت الإنسان على قراءة جميع ما يحيط بعالم الجن من غموضٍ وأوهامٍ . فيقول الأستاذ قنديش للإنسي ضاري معاتباً : شاهدت يا أخي ضاري تهافت الإنس على مكتبةٍ قديمةٍ في بيروت، لاقتناء كتابٍ سخيفٍ اسمه منبع أصول الحكمة، وفي هذا الكتاب من خرابيط الإمام الحكيم وهلوساته، ما يشيب له شعر الإنس والجن جميعاً! وفي القاهرة وجدت الناس يتدافعون أمام مكتبةٍ متهالكةٍ في باب الخلق لشراء كتابٍ اسمه، السر المظروف في علم بسط الحروف! ويمضي الحوار طريفاً مسلياً بين ضاري وقنديش إلى النهاية، ولم يسلم هذا العالم من السخرية بشركات توظيف الأموال وخسائر الأسهم، فيروي أحدهم أن إنسياً طرق باب مشعوذٍ كذاب، وطلب منه حق الدخول وتقديم الشكوى لعله يجد لها حلاً عنده أو مخرجاً . فلما استوى صاحبنا جالساً في تلك الغرفة القديمة المتهالكة، ذات الأبعاد الأسطورية، حتى بدأ المشعوذ الكذاب في ممارسة وظيفته بالنفث ورش البخور على قطعٍ من الجمر الملتهب، والتلفظ بغرائب الكلمات والطلاسم، وما هي إلا لحظات حتى اهتزت الأرض ومادت، وتساقطت الأتربة من زوايا الغرفة، ثم انكفأ المشعوذ على وجهه، وحظي الضيف بصفعةٍ على قفاه، فقام فزعاً من المجلس، وقام بقيامه المشعوذ وأطلق ساقيه للريح، ولما سأله الضحية عن أصل الخبر، قال له المشعوذ : اهرب بسرعةٍ، لقد أثرنا غضب ملك الجان ! استوضحه طالب الحاجة أكثر عن سبب هذه الهبة والهجوم، أجابه المشعوذ : لقد دخل ملك الجان بكل ما يملك من مالٍ ومتاعٍ إلى إحدى شركات توظيف الأموال، وحينما انهار سوق الأسهم أخيراً، تبخرت تلك الشركة في الهواء، وتبخرت معها أموال ملك الجان مع غيره من المساهمين، ولم يقدر على استرجاعها حتى الساعة لا بقانونٍ ولا بإنسٍ أو جان!