إن الديانة هي المنهج والعقيدة التي يسير البشر وفقها، وهي المؤشر الذي يعكس مدى تلك الحياة، وعندما يختار الإنسان ديانته يكون مسؤولاً عن ذلك الاختيار طيلة حياته وبعدها، وليس ذلك فحسب بل ستكون له سلالة أو أتباع تشاركه تلك الديانة التي اختارها، وذلك بحكم شخصيته وتجربته بالنسبة لهم. ونحن نفخر بأننا أتباع خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد"صلى الله عليه وسلم"، ولا عجب بفخرنا بقدوتنا الحسنة الذي شهد له التاريخ بحسن دينه وخلقه، وأخذ يتتبع سيرته العظيمة في أداء رسالته، وعظمته في تكوين أمته، ليستكشف ما بتلك الشخصية من روعة وعظمة تدفعه للإسلام، وهكذا كوّن نبينا هذه الأمة، ودعمها بركائز إن تمثلت بها وسارت وفقها ستجد ما هو مدخر لها من حياة مثلى . "الدين"كلمة عميقة بما تشمله من أحكام وتشريعات وليست الشهادة والصلاة فحسب، والأخلاق جزء من ذلك الدين القويم، وكما يقول صلى الله عليه وسلم:"اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق"، فالدين يقاس بالأخلاق وليس بالشكليات فحسب، فالمعدن النقي الخالص هو لب الإنسان وجوهره، والأخلاق مقياسه الدقيق. ومن ذا الذي يتحمل عشرة سيئ الخلق؟ وكيف سيتعامل مع إنسان تجرد من الحواس الإنسانية وتقلد بصورة شيطانية خلقت من اجل إشباع الذات! غالباً الجرائم والمصائب تحدث ممن لا أخلاق له، وكيف لا؟ فسيئ الخلق لا يجد من يصرفه عن عمل السوء، ولا أخلاق تذكره بسوء العواقب، عندما تبلغ الأمور ذروتها من الشقاقات والنفور تجد الشخص بلا شعور يفقد صوابه، دائما الخصال السيئة مرتبطة ببعضها البعض. عندما تجد شخصاً يصلي الفرائض والسنن ويصوم ويعبد الله بكل جوارحه، ولكنه شتم هذا وقذف هذا وضرب هذا، وآخر يكتفي بالفروض الخمسة والواجبات الأساسية وهو على قدر من الأخلاق والقيم، ترى من المتدين بحق؟ شتان ما بين هذين في تقويم إيمانهما، بلا شك ستجد الأول قد تلاشت حسناته وضاعت في تقسيمها على المظلومين والمتضررين من سوء خلقه، على عكس الآخر الذي احتفظ بحسناته لنفسه وادخرها ليوم الحاجة، وأضاف إلى شخصيته أخلاقاً حسنة. لم تُأمر شريعتنا الكريمة بأمر إلا وتجلت عظمتها في حكمته البليغة، ولم يؤكد على أهمية حسن الخلق إلا لضمان حياة كريمة للمسلم، ومحبة الناس والرضا وان كانت غاية لا تدرك. وأعجب ممن يقيس قوة الالتزام والتدين بالحجاب، فهناك نساء كثير يتحجبن ويغطين وجوههن ولا يبدين ولو ظفراً واحداً من أظفارهن، ولكن من اجل العادات والتقاليد وفرض القانون عليهن وطبيعة البلاد التي قد ألزمتهن بذلك، ولكن تأمل في أحوالهن وحياتهن الخاصة، وفي معاملتها لأسرتها ولزوجها، ولمن حولها، عندها ستبدي لك حواسك فروقاً غريبة وستشعر تجاهها بصدمة قوية تجهل جراءها بوجودك في ارض الواقع، أنا لا اقلل من قيمة المتحجبات وفضلهن، ولا من أهمية الحجاب في صيانة المرأة والمجتمع، ولكن انقد سلوكاً ونظرة خاطئة تفشت في مجتمع أصبح الدين فيه فقط حجاباً وصلاة. الأخلاق سمة يترفع بها المسلم عن دنايا الأمور بما تشمل من عفو ورحمة وتنازل وتضحيات، بما تدخر بداخلها من فضائل وحكم هي أساس الإيمان وذروة قوته، وبها نستطيع أن نحكم حكماً جذرياً بتقوى الإنسان وإيمانه، ومتى يتمثل الإنسان بالمكارم العالية فلن تطاوعه نفسه بالنظر للأمور الدنيئة والوقوع في فخ المعقدات الباطلة. كم من كريم خلق استطاع أن يقود المئات إلى عقيدته وان يجذبهم إلى آرائه ويسيروا وفق اتجاهاته، وأعظم مثال رسولنا الكريم، الذي استطاع بحسن أخلاقه وتصرفاته وكرم معاملته وعدله في أحكامه ووفائه بعهده وعفوه وزهده وقناعته، أن يشمل كل معاني الأخلاق في رجل واحد، مثل البطولة والأخلاق العالية، وكون أمة عظيمة تنقاد وراءه مأسورة بتلك الأخلاق الكريمة والمثل الآخاذة، مستمرة سلالتها إلى يوم القيامة، بعد أن كانت تلك الأمة شعوباً متفرقة وقبائل متنازعة، فوحد بينها وسوى بين غنيها وفقيرها وجعلها امة واحدة، لو تمسكت بوحدتها الإسلامية وحافظت على مبادئها واعتزت بقيمها وتميزت بخلقها، لما استطاع أن يتحكم فيها عدو، وما تأخرت في يوم من الأيام، وكما استطاع ذلك الرجل الواحد تكوين تلك العظمة، نستطيع بحبه والوفاء له وتمثيل أمته كما يجب أن تكون، الحفاظ على ذلك التاريخ العظيم.