تزخر دفاتر طلاب المدارس وكراساتهم من مختلف الفئات العمرية بالأخطاء الإملائية والزلات اللغوية، التي تتراكم فوق الصفحات فتحولها"مسوخاً"ملونة بالحبر. عبارات كتبت بخطوط"ركيكة"لا ينتمي أحدها إلى الرقعة ولم تدرك حروفها النسخ حتى تعي عباراتها الخط الكوفي أو نظيره الفارسي. حان الوقت لقرع ناقوس اللغة والتاريخ والتراث، فالجيل الحالي من أبناء المدارس لا يفقهون في الكتابة وأصولها سواء اللغوية أم الإبداعية شيئاً يذكر، فالخطوط غير مفهومة والجمل غير مقروءة، ما دفع بعض المهتمين إلى توجيه أصابع الاتهام نحو وسائل التكنولوجيا الحديثة، في حين سلم آخرون بأن ضعف تأهيل معلمي اللغة العربية وعدم اكتراثهم بتأسيس طلابهم من الناحية الخطية، أدى إلى نتائج سلبية تعاني مرارتها أنامل فلذاتنا. لم تتجاوز مطالب المتخصصين في هذا المجال للجهات المسؤولة الاهتمام بأصول الخط والحفاظ على فنونه وممارسة أنواعه، إضافة إلى الاستماع لاقتراحاتهم التي من شأنها دعم هذا الفن وحفظه من الاندثار. يصف فهد اليامي 34 عاماً خطّ ابنه الذي تجاوز ال 12، ب"الطلاسم". يقول:"أثناء مراجعتي له بعضاً من دروسه فوجئت برداءة خطه وركاكة كتابته، لدرجة منعتني من متابعة الاستذكار له. وأضاف:"عدم اكتراث معلم الخط بتصحيح أخطاء ابني المتكدسة في الكتاب وعدم حرصه على تحسين خط طلابه، إضافة إلى خجل وزارة التربية والتعليم مضاعفة حصص الخط المدرسية من واحدة إلى أربع ضاعف من رداءته". وباءت جلّ محاولات عزيزة الحقباني بالفشل تجاه ابنتها مها الطالبة في المرحلة المتوسطة، تقول:"ضعف ابنتي في الكتابة وجهلها بأنواع الخط العربي، وعدم إدراكها لشيء من تاريخه، دفعني إلى شراء مجموعة من كتب الخط التي تتكفل بتهذيب خطها وإثراء معلوماتها تجاه كل ما يتعلق به، إلا أن إصرار ابنتي على عدم احتواء المناهج الدراسية على مادته أو إلزام المعلمة لها تعلم أصوله بدد جهودي". ودفعت غيرة معلم اللغة العربية سعود عبدالله 29 عاماً على الخط العربي إلى استغلال حصص الاحتياط وتكثيف دروس الخط، إضافة إلى دعمه طلابه على ممارسته. وأوضح أن إعجاب الغرب بفنون الخط العربي وانبهاره بروعته، وشغف بعضهم بتعلم مبادئه وإدخال بعض أنواعه على ديكورات منازلهم وأزيائهم المحلية يثير استياء أمثالي نظير تجاهل أهله له وعدم اكتراث الجهات المختصة عمل دورات مجانية تغرس في عقول المنضمين إليه خطوات إتقانه وحقيقة تاريخه. وأضاف:"إن اعتماد الكثير من الآباء مسؤولية تعليم أبنائهم وتأسيسهم على المدرسة فقط من دون المشاركة في متابعتهم أو حتى تشجيعهم على تحسين خطوطهم زاد الأمر سوءً". أما أروى البياهي 22 عاماً فتؤكد إن اعتمادي الكلي على الكمبيوتر في كتابة أبحاثي وجميع محاضراتي، إضافة إلى إدماني على ممارسة هواياتي القرائية والكتابية عن طريق استخدام مفاتيحه الأبجدية أسهم في تدني مستوى خطي وقلل من جودته. وزادت:"في السابق كان أفراد أسرتي وبعض صديقاتي يسندون إليّ خطّ الكثير من اللوحات المدرسية، أما الآن فلا يتجاوز أسلوب كتابتي خط طالبة في المرحلة الابتدائية". من جهته، يرى الخطاط والرسام علي الحناكي أن تفاني معلمي الأجيال السابقة في تدريس طلابهم الخط، إضافة إلى اهتمامهم الشديد بكتابة تلاميذهم بخط واضح وتصحيح أخطائهم اللغوية والإملائية أياً كانت المادة، واستخدام أسلوب الثواب والعقاب، جعل من خطوط أبائنا أشبه ما تكون بلوحات فنية، يعجز طلاب اليوم تجسيد شيئاً منها". وعن الحلول المقترحة لدعم هذا الفن على الصعيدين المحلي والدولي ذكر الحناكي:"لا بدّ من أن تتبنى الجهات المسؤولة إقامة مسابقات الخط حيث يشارك فيها موهوبون من جميع أنحاء المملكة وأخرى من دول عربية، لاكتشاف المواهب الكامنة والحصول على شريحة مبدعة من الفنانين يسهمون في إثراء هذا الفن مستقبلاً، كما أن فتح معاهد متخصصة وكليات رسمية تعنى بتدريس كل ما يتعلق بالخط وتخريج طلاب يسهمون في دعم هذا الفن وتعليم أصوله للمبتدئين يلعب دوراً كبيراً في الارتقاء به وإعادة مجده". وأضاف:"على رغم التواجد الملحوظ الذي حظي به الفن التشكيلي في الداخل والخارج، إلا أن الخط العربي يفتقر إقامة معارض دولية تطرح الكثير من لوحات هذا الفن أو التعرف على رواده، كما أن وزارة الإعلام تتجاهل تخصيص قناة فضائية خاصة تعنى بأصول هذا الفن وتتكفل بتعليم مبادئه."