لا يختلف اثنان من المسلمين على حرمة بيت الله الحرام في مكةالمكرمة، وأن المعاصي فيها تضاعف أسوة بالحسنات. ومثّلت خصوصية البلد الأمين استثناء عبر التاريخ بدء من كونها مركزاً للكون وليس انتهاء بما يلتزم به الآتون إليها من كل فج عميق لأداء مناسك الحج والعمرة من آداب وضوابط تذكي في دواخلهم روحانية العبادة وتعلي من شأن المكان والزمان مستعيدي قول نبيهم عليه السلام"مكة حرم الله فلم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف، فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا. فقال صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر". وظلت الكعبة المشرفة قبلة المسلمين تزرع هيبتها في صدور ومشاعر الوافدين إليها من المسلمين، فيما تحظر على غير المسلم المرور بها عملاً بالنص القرآني"إنما المشركون نجس"، ولذا راعت الحكومة السعودية هذا الجانب مؤمنة لغير المسلمين مسارات وخطوطاً يصلون عبرها إلى المناطق المجاورة لها من دون المرور بها، وبما أن مكة نقطة محورية للكون تعلّقت بها الأفئدة واحتفظت في شغاف القلوب بمشهد القداسة. وعلى رغم العصور المتعاقبة إلا أن نوافذ الإعجاز العلمي المنفتحة على النص الشرعي في البلدان الإسلامية ستظل إحدى وسائل ترسيخ عقيدة المسلمين، وأن دينهم حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ويكشف رئيس لجنة الإعجاز العلمي في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور زغلول النجار أن العلم يقدم كل يوم صوراً للإعجاز القرآني ومنه"إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين"، مشيراً إلى توصل العلماء في منتصف الستينات من القرن الماضي إلى أن الأرض في مرحلة من مراحل خلقها كانت مغمورة بالماء بشكل كامل ثم شاءت إرادة الله أن يفجر قاع هذا المحيط الغامر بثورة بركانية عنيفة ظلت تلقي بحممها المتراكمة مكونة سلسلة جبلية مستمرة في النمو والارتفاع حتى ظهرت قمتها فوق سطح الماء مكونة أول جزء من اليابسة على هيئة جزيرة بركانية وباستمرار النشاط البركاني نمت هذه الجزيرة الأولية بالتدريج. واستشهد بما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله"كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض"، داعياً علماء المسلمين إلى تحديد العمر المطلق للصخور القائمة حول الكعبة بواسطة العناصر المشعة الموجودة فيها لتقديم إعجازاً علمياً جديداً. وعن مقام إبراهيم قال:"هي الصخرة التي وقف عليها إبراهيم وهو يرفع القواعد من البيت وتحمل الصخرة آية بينة، وهى أنه على الرغم من صلابتها الشديدة فإنها تحمل طبعة غائرة لقدمي أبي الأنبياء، ولا شك أن لين هذه الصخرة الصلبة إلى الحد الذي يمكنها من حمل طبعة قدمي هذا النبي الكريم معجزة بكل المقاييس العلمية، ويقف العلم عاجزاً عن إمكان تفسيرها. ويرى النجار أن تميز الكعبة بأضلاعها الأربعة متطابقاً مع الجهات الأصلية تماماً، فضلعها المطل على حجر إسماعيل الذي يضم الركنين العراقي والشامي يقام في اتجاه الشمال الحقيقي ويقابله في اتجاه الجنوب الضلع الذي يضم ركن الحجر الأسود والركن اليماني، وضلعها الذي به الباب والملتزم الذي يضم كلاً من الحجر الأسود والركن العراقي يواجه الشرق تماماً ويقابله الضلع الغربي الذي يضم كلاً من الركنين الشامي واليماني. ويضيف"ولا شك أن تحديد تلك الاتجاهات بهذه الدقة في زمن موغل في التاريخ كالذي بنيت فيه الكعبة ينفي إمكانية كونها عملاً بشرياً، فيما عدّ الحجر الأسود ضمن قائمة الإعجاز العلمي مسترجعاً وقفات المستشرقين طويلا ً مع الأحاديث النبوية ومنها"نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم"، وإن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة"،"ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقم إلا شفي"، إذ ذهبوا بظنهم إلى أن الحجر الأسود قطعة من البازلت الذي جرفته السيول وألقت به إلى منخفض مكة، ولذلك حاولت الجمعية الملكية الجغرافية البريطانية التأكد من ذلك وإثباته فاستأجرت ضابطاً اسمه ريتشارد فرانسيس بيرتون الذي جاء إلى الحجاز في هيئة حاج أفغاني في منتصف القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1853 وأخذ معه قطعة من الحجر الأسود إلى بريطانيا، وبدراسة العينة ثبت أنها من أحجار السماء لأنها تشبه أحجار النيازك وإن تميز بتركيب كيماوي ومعدني خاص وكان هذا الاكتشاف سبباً في إسلامه وسجل قصته موضحاً أنه أسهم في دخول عدد من غير المسلمين في الإسلام. وعن تمركز مكة أوضح أن تحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسة في العالم يؤكد تمركز مكة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات السبع التي تتكون منها اليابسة، وأن الأماكن التي تشترك مع مكة في خط الطول نفسه ينطبق فيها الشمال المغناطيسي الذي تحدده الإبرة الممغنطة في البوصلة مع الشمال الحقيقي الذي يحدده النجم القطبي، ومع ذلك فإنه لا يوجد أي قدر من الانحراف المغناطيسي على خط طول مكة بينما يوجد هذا الانحراف المغناطيسي عند جميع خطوط الطول الأخرى، موضحاً أن طواف المسلمين حول الكعبة يتسق مع سنة الله في خلقه، حيث تطوف كل المخلوقات باتجاه طوافنا حول الكعبة لتحافظ على توازنها في الحياة، وبالتالي فإن سلوك المسلمين في الطواف يتوافق مع حركة المخلوقات.