امرأة تغيّرت حياتها في اليوم الذي أدركت فيه أن زواجها يجب أن ينتهي... هكذا تصف اليزابيث جيلبرت الروائية والصحافية الأميركية حالها في بداية مذكراتها التي صدرت في كتاب عنوانه"كل صلّ أحب /Eat Pray love". وعلى رغم مرور قرابة السنتين على صدور الكتاب إلا أنه لا يزال يتصدر الكتب الأكثر مبيعاً في أميركا، كما وتُرجم إلى ثلاثين لغة مختلفة نظراً لكثرة الإقبال عليه. وتنسج الكاتبة خيوط سيرتها الذاتية أو مذكراتها، من خلال رصدها السردي الدقيق لما اعتمل في داخلها إثر اختلائها بنفسها في إحدى الليالي قبل طلاقها، إذ قضت ليلة كاملة في حمامها الخاص باكية تتأمل ما هي عليه من حال، بعد أن توصلت إلى استنتاج مفاده أنها غير قادرة على الاستمرار في حياتها الزوجية وأنه يتعين عليها الانفصال عن زوجها في الحال... ولكنها خلال السرد تتكتم عن الأسباب التي دفعتها إلى أخذ هذا القرار لأنها وبحسب ما ذكرت لا ترى أنه من الملائم الخوض في مسألة أسباب الطلاق التي هي جزء من خصوصيات زواجها... تتحدث جيلبرت بعد ذلك عن فكرة سفرها والتي هي لُب الكتاب بل وعنوانه. حين قررت أن تبتعد عن أحزانها وتُسافر لمدة سنة تُمضيها في رحلة لاستكشاف ذاتها، لعلها تُدرك ما لم تستطع إدراكه في خضم التجربة المُرّة. فتترك عملها، وبلدها وتغادر وحيدة. وهو ما وصفته الكاتبة بقولها: أردت أن أستكشف فن الاستمتاع في إيطاليا، وفن التعبدّ والتأمل في الهند، ثُم إلى إندونيسيا إذ فن الموازنة بينهما. الكتاب أثار ردود فعل مختلفة سواء بين القراء أو النُقاد، إذ لاقى ثناء ودعاية من قِبل كلٍ من نيويورك تايمز، وتايم ماجازين، ولوس أنجليس تايمز، وروكي ماونتن نيوز وغيرها من وسائل إعلامية أشادت بأسلوب الكاتبة البسيط والعميق في الآن ذاته، وقدرتها على جعل القارئ يتوحّد معها في همومها وأفكارها ومشاعرها، وثقافتها العالية التي تجلّت في ثنايا كتابها، كذلك تلقّت الكاتبة العديد من الدعوات من برامج ذات انتشار عالٍ في العالم أجمع، على سبيل المثال استضافتها في برنامج أوبرا وينفري للتحدث عن كتابها EPL ، بينما على الجانب الآخر، اعتبر بعض القراء والنقاد أن الكتاب دعوة مُغرية للنساء ليتركن حياتهن الزوجية ويهربن بعيداً للبحث عن المتعة، وهذا ما شدّ انتباهي، وأثار التساؤلات في ذهني الذي لم يستطع مقاومة إغراء سلاسة أسلوب الكاتبة وكم المعلومات التي كانت تنثرها في زوايا كتابها بطريقة رائعة، إذ احتوى على سرد روحاني غاية في التشويق، وحبكة درامية تجعل القارئ يُلامس مشاعر الكاتبة ويتفاعل معها. ولكن ذلك لم يحمِ كاتبته من التعرض لتهمة تحريض مثيلاتها من النساء ودعوتهن للهرب من أعشاش الزوجية المُستقرة، بغضّ النظر عن الجانب الفنّي للكتاب، وعن الأسباب الشخصية التي لم تفصح عنها الكاتبة احتراماً لِقُدسية الزواج. أثار الجدل الدائر حول الكتاب في ذهني سؤالاً راح يبحث عن إجابة... ماذا لو كان الكاتب رجلاً يحكي خيبته الزوجية؟ وكيف أنها دفعته لتخصيص سنة من عمره يُغادر فيها مكان التجربة الفاشلة، ويذهب بعيداً ليتوحد بنفسه ويبحث في ذاته مُداوياً جروح الطلاق الدامية؟ ماذا كان سيُقال عنه؟! هل يوصف بمُحرّض الرجال على الطلاق؟ هل يُلاقى بنفس الهجوم الذي شُنّ على جيلبرت، والذي جاء بعضه على شكل أسئلة فظّة مباشرة تخص شئونها الخاصة وحياتها الزوجية السابقة حاصرها بها بعض الصحفيين والصحفيات في اللقاءات التي عُقدت لمناقشة كتابها؟ لكن سؤالي الحائر المُعلّق في علامة استفهامه يأبى مواجهة جوابه، بل ويُمعن في السُخرية منّي مُكتفياً بترديد جملة المسلسلات الدرامية الخليجية التي تُقال على لسان أغلب أبطالها عندما يتشاجرون مع زوجاتهم: بتحطين راسك براسي؟ لا تنسين إني الرجّال في هالبيت!. في النهاية تجاهلت السؤال والإجابة، مُتأملة عدد النسخ الصادرة من الكتاب والتي فاقت خمسة ملايين نسخة حتى الآن فهي خير شاهد ومؤشر على أن الكتاب مطلوب وبشدة من قِبل القراء، بغض النظر عن من كتبه، امرأة كانت أم رجلاً.