ماذا لو فقد الإنسان الإحساس بذاته وسط الحياة الرتيبة التي صنعها؟ وهل يمكن أن تكون حياتنا أفضل مما نعيشها؟ لماذا نرضى بما هو أقل لنا ولا نكتشف أنفسنا ونبحث عن التوازن الروحي؟ ماذا يتطلب هذا التبديل الذي قد يكون جذريا، وكونه جذريا قد يتطلب تضحيات وتغيرات نوعية. هل نملك أن ندفع ثمنها؟ بتلك الأسئلة الفلسفية يأخذنا فيلم «أكل، صلاة، حب» في رحلة سياحية وسط عوالم النفس والجسد والشؤون الصغيرة للحياة، بعيدا عن مادية الغرب الأمريكي ومنفعته الفردية التي حولت الناس إلى آلات ودمى تأكل الوجبات السريعة لتعيش، لا للمتعة كما يقترح الفيلم، وتعمل لخدمة منظومة كبرى لا لتحقيق الذات. يتتبع الفيلم تفاصيل حياة «ليز- إليزابيث جيلبرت» وهي امرأة أمريكية متزوجة من الطبقة الوسطى، حياتها مستقرة، لكنها باهتة ورتيبة بلا معنى، خصوصا مع عدم وجود أطفال، ورغم محاولاتها المتكررة لتغيير نمط حياتها، إلا أن نفسيتها لا تتحسن، وفجأة تطلق زوجها، وتنطلق في رحلة حول العالم بحثا عن ذاتها، من أجل أحلام غامضة ونبوءة عراف التقته ذات يوم. وهكذا تتجه إلى الشرق، هربا من المادية الغربية إلى صوفية تبدأها بتذوق «الطعام» في إيطاليا التي تبدأ رحلتها في مطاعمها إذ تستمتع بأكل «المعكرونة والباستا» في روما، بينما تجد في «بيتزا نابولي» خلاصها من أنظمة الحمية التي تقيد حياة الأمريكيين، كما يقول لها الرجل الذي التقته في محل الحلاقة «لا يعرفون معنى المتعة، بل التسلية»، وهكذا تمضي جيلبرت في ملاحقة المتعة، ليكون الاكتشاف الأول أن السعادة فيما تفعله دون النظر لما يظنه الناس، وأن السعادة في وجوه من حولك. وفي الهند بوصفها مساحة للروحيات، تتجه ليز إلى استعراض بصري للأطفال الذين يلهون بالقمامة ويتسولون في الشوارع، والأبقار المقدسة الفالتة في الطرقات، وأماكن التعبد، فتنبهر باليوجا والأناشيد والصوم عن الكلام، وتسعى لأن تكون متأملة، ليكون الاكتشاف الثاني بأن مسامحة النفس ضرورية لكل بداية، ثم يأتي المكون الثالث «الحب» في «بالي» بإندونيسيا من خلال مساعدة الفقراء، ثم ظهور شخصية الرجل المرهف «فيليبي» الذي جسده المبدع «خافيير بارديم»، وهنا ستجد جيلبرت ذاتها بقولها «لا أريد أن أحبك، أريد أن أحب نفسي»، وهذا هو الاكتشاف الأخير. الوصفة السحرية للمرأة الأمريكية الفيلم مقتبس عن كتاب سيرة ذاتية بالعنوان نفسه لمؤلفته الأمريكية «إليزابيث جيلبرت» يحكي عن تجوالها حول العالم بحثا عن التوازن الجسدي والروحي بعد طلاقها، وقد بقي الكتاب على قائمة أكثر الكتب مبيعا في أمريكا 187 أسبوعا حسب جريدة «نيويورك التايمز»، وتناولته «أوبرا وينفري» على مدى حلقتين في برنامجها الشهير، لكن معظم النقاد شككوا في مصداقية أحداث الكتاب، وعدوه متصنعا بل مزيفا. كتب سيناريو الفيلم المخرج «راين ميرفي» بالاشتراك مع الممثلة «جنيفر سالت» بالتركيز على أربع مناطق فقط للأحداث «نيويورك، إيطاليا، الهند، بالي»، وبالاعتماد على مشاهد استعادة الماضي «الفلاش باك» بما يتلاءم مع حالة تذكر «ليز» لأجزاء من حياتها السابقة، وقد لعبت الإضاءة واللقطات البطيئة دورا في عكس حالة ليز الكئيبة في نيويورك، بينما تتغير لتحل مكانها الألوان الزاهية واللقطات السريعة لتفعيل الإيقاع الدرامي في إيطاليا، وتتحول لتصير الصورة أقرب إلى التسجيلية في الهند الروحية. وكان للموسيقى التصويرية التي ألفها الموسيقي «داريو مارنيللي» واضع موسيقى فيلم «التعويض» دور غني في عكس طبيعة الأحداث الدرامية والمناطق بشكل مناسب لكل بلد تزوره البطلة، وخصوصا صوت البيانو في مشهد التاكسي. أما القالب الإخراجي الذي قدمه المخرج التليفزيوني «راين ميرفي» فكان حرفيا يعكس الرؤية الثرية لهذا المخرج خصوصا كون الفيلم أولى تجاربه السينمائية. «أكل. صلاة. حب».. تلك هي الوصفة السحرية التي يقدمها الفيلم لعلاج مشكلات الفرد الأمريكي الغارق في مادية الحلم الأمريكي الكبير ورأس ماليته المعلبة التي دمرت شعوبا ودول بمنطق التسلية والمنفعة. لكن الفيلم لا يخرج من كونه استعراضا سياحيا مجتزئا للآليات والحلول السطحية والاستهلاكية التي تسكن الفرد الأمريكي، وهو ما يبرر ما لقيه الكتاب، ومن بعده الفيلم الذي حقق خلال شهرين ما يقارب 80 مليون دولار في أمريكا، وهو لا يزال يعرض في صالات السينما الأمريكية دون توقف