على رغم مكانة الشهر في قلوب المسلمين وروحانيته وإقبال المخبتين على الله تعالى ورقة قلوبهم وهدوء نفوسهم وصبرهم ومقارعتهم لنزغات الشياطين، إلا أن البعض لا يُلقي لروحانية الشهر بالاً ولا تقديراً. ومن تتبّع الأخبار وتقصّى الأحداث وقف على بضع غرائب من الطبائع البشرية غير السوية، لتجاوزاتٍ وأخطاءٍ كان الأجدر ألا تقع من الإنسان أو تخالط نفسه في الأصل، فكيف باخترامها لحرمة الشهر وقدسيته، على سبيل المثال طالعتنا بعض الصحف بأخبار اللصوص الذين استغلوا وجود القانتات المخبتات في المصليات والمساجد، فامتدت أيديهم لممتلكاتهن من الحقائب والهواتف المحمولة، من دون أية مراعاةٍ لحرمة الزمان أو المكان. قل هذا عن نقب المنازل وخلع الأبواب وتسور الشاهقات من الجدران بحثاً عن غلةٍ، أو ما يقلب حال اللص من سيئ إلى أحسن ولو بالمال الحرام، والذي لا يرجو لله وقاراً في هذا الشهر العظيم هو في غيره من الأشهر أبعد عن طريق الله تعالى. وأكثر من ينشط فيه مع الطائفة السابقة من مخالفي القانون والأعراف، العشرات من مخالفي الذوق العام، أعني بهم المتسولين، الذين قلبوا هذا الشهر إلى محطة استنزافٍ مهمةٍ لجيوب المتصدقين، وخطب استعطافٍ واسترحامٍ عقب كل فريضةٍ، حتى إن الجهات الأمنية ألقت القبض على متسولٍ ووجدت بحوزته مبلغ 5000 ريال حصيلة ثلاثة أيامٍ من الشحاذة فقط وفي مدينةٍ صغيرةٍ من مدن المملكة! وتعد هذه المهنة من الأعمال الرائجة التي تدر دخلاً معقولاً ومحترماً بين الكذابين والكسالى، مع أن نبينا عليه الصلاة والسلام توعد الذي يسأل الناس تكثراً بجمرٍ من نار جهنم! ولا تقتصر طوابير المتسولين على الرجال، بل تشمل النساء والأطفال وأصحاب المظاهر البراقة، من لابسي الثياب النظيفة، وممتطي المركبات الفارهة، وهي من الحيل التي تفتقت عنها عقلية المتسولين أخيراً، نموذج حديث لمأساة ارحموا عزيز قومٍ ذل! متسول انقطعت به السبل في عصر الهواتف المحمولة والاتصالات السريعة جداً! من لم يردعه الدين فلا أقل من ردع القانون له، وأخشى أن تكون حال هؤلاء كحال مدانٍ حكمت عليه إحدى المحاكم الغربية بعقوبةٍ ما، فلما صدر الحكم قال له القاضي: هل أنت راضٍ عن الحكم؟! أجابه اللص المدان: هذه محكمة رائعة... سأعود إليها!