تلعب بعض الفضائيات العربية - في شهر رمضان المبارك - دورها غير البناء في قلب موازين النوم لدى المشاهد العربي، والذي يعطي عينيه إجازة مفتوحة إلى قبيل السحور، يسبر من خلالها أغوار الأثير الفضائي ومسابقات البخت الضائع، وقصص الحب والعشق والجريمة والانتقام، وأفول أنجم الدول والممالك المنقرضة، لينحسر هذا السهر الغريب بشكلٍ سلبيٍ على صبيحة يومه التالي، من خمولٍ وكسلٍ ونومٍ وغيابٍ، وتعكر مزاجٍ ضد مراجعي الادارات الحكومية. وتشتكي كثير من الأسر من النوم الثقيل الذي يعصف بأبنائها في رابعة النهار طوال الشهر المبارك ممن لا يعرفون الاستيقاظ إلا حينما يؤذن لمغرب اليوم استعداداً لوداع الصوم، تقول إحدى ربات البيوت:"إن كثيراً من الواجبات والالتزامات على إخواني وأبنائي خلال الشهر الكريم لا يتم إنجازها ولا الاستشعار بها، نظراً لحال اللامبالاة في النوم التي تصيب الكل، والتي تبدأ بدخول الشهر الكريم وحتى ينتهي، ويؤثر ذلك سلباً في أعمالنا الروتينية اليومية". ولا تقتصر عوامل إسهار الصائم على الفضائيات فحسب، بل تتداخل فيها عوامل جذبٍ أخرى، من محال تجاريةٍ وأسواق ومقاه ومطاعم، والتي تتنافس كلها في اقتناص ما في جيوب المواطنين، واستنزاف مواردهم. والناس في رمضان ما بين متقاعسٍ عن الاندماج مع محيطه الخارجي سلباً كتضييع الوقت في المقاهي والتسكع في الطرقات والأسواق، أو إيجاباً كزيارة الأقارب والأرحام وإغاثة الملهوف، وجبر كسر اليتيم. وإذا كان الكسل هو السمة الطاغية بين كثيرٍ من الصائمين، إلا أنه لا يكاد يعرف طريقه إلى أعين فئاتٍ من المجتمع، كاللصوص والشطار والمتسولين وأصحاب الأغراض المشبوهة، فالطائفة الأولى لا يعتريها النصب ولا التعب، لأنها تتحين الفرص الملائمة لتسور البيوت، ونقب الجدران في غفلةٍ تامةٍ عن أعين الضحية الذي أسلم لعينيه الرقاد. أما الثانية، فتلتحق بدوراتٍ تأهيليةٍ في الخطابة والاستعبار قبيل دخول الشهر، لتقف أمام المصلين عقب كل صلاةٍ، باكية ونادبة حظها وحظوظ الحياة البائسة، فتملأ جيوبها كما ملأ غيرها جيبه بما حرم الله عليه من أكل أموال الناس بالباطل بالأيمان الفاجرة، والتمثيليات المتقنة في التأليف والإبداع! وما بين الطائفتين تتعطل كثير من المصالح المعتبرة شرعاً، لأن البعض منا انقلبت موازين وقته في هذا الشهر المبارك.