منذ وقت مبكر أدركت "القاعدة" أن ساحة المعركة الحقيقية هي الإنترنت، فالتنظيم بعد تلقيه ضربات موجعة، في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب، انتقل من القتال على الأرض إلى المجال الإلكتروني، الذي أثبت فعاليته المذهلة في استقطاب الأتباع وإعادة تشكيل عقولهم، بهدف تجنيدهم لاحقاً عبر مجموعات صغيرة يمكن أن تحدث بأفعالها الدموية دوياً يظل الخبر الأول في التلفزيونات والصحف. وليس ضرورياً أن يشكل الحضور الإنترنتي طبيعة حجم التنظيم، فكل ما تحتاجه في عالم اليوم لكي تصبح فاعلاً أن تملك أدوات التأثير وعلى رأسها"التقنية"، الأمر الذي أدركته القاعدة مبكراً، فحرصت على الاهتمام بإنشاء مجموعات إعلامية، تكون بينها وبين قيادات التنظيم روابط شبكية بعيدة، لئلا يتم استهدافها، وهذا ما تسمح به التقنية التي يمكن أن تصور عمل مجموعة نائية ذات أهداف محددة على أنه عمل مؤسساتي ضخم، وهو ما تحرص القاعدة على تحقيقه، إذ تهتم كثيراً بمسألة"الصورة النمطية"من خلال إنشاء مؤسسات إعلامية ذات أسماء ودلالات وتصاميم مختلفة أو ما يعرف بپ"البراند نيم"/هوية المنتج، هذا يدل الى حس"تسويقي"وإداري عال لدى إعلام القاعدة. إذا كان كتاب"معالم على الطريق"للأب الروحي للحركات الأصولية الإسلامية سيد قطب هو الدستور الحركي الذي رسم طريق المواجهة مع"العالم الفاسد"، فإن تنظيم القاعدة، وبعد وقت متأخر من حضوره كتيار عنفي معولم، يدشن دستوره الجديد"إدارة التوحش"ليحاول، كما عودنا، أن يكون حاضراً في المشهد السياسي والاجتماعي بعد أن ظل الرقم الصعب في تغيير مسار الأحداث في العالم. اهتمام غربي بپ"إدارة التوحش" الاهتمام بكتاب"إدارة التوحش"جاء من جانب وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون إذ اعتبرته صيداً ثميناً لكونه بحثاً أعد خصيصاً لقائد التنظيم أسامة بن لادن، إذ كانت ترسل محتوياته في شكل رسائل شخصية عثر عليها بين مخلفات مقاتلين فارين من قوات التحالف في أفغانستان، على أن الكتاب أيضاً كان منشوراً في مواقع جهادية مناصرة لتنظيم القاعدة إضافة إلى بعض المنتديات التي تتعاطف مع"القاعدة"، لكنها تجادلها في بعض التفاصيل وإن كانت تثمن الدور الضاغط ل"القاعدة"في مدافعة"العدو الأكبر الولاياتالمتحدة الأميركية"، لكن الكتاب أخذ طريقه في الرواج بفضل الاهتمام الغربي به، وترجمته إلى لغات عدة، بغية فهم نيات التنظيم أو استراتيجيته الحربية بعيدة المدى. ومن خلال بحث أولي يعتقد بأن عدد الروابط التي تتيح الإطلاع على الكتاب أو تتحدث عنه فاقت 15.000 رابط بينما تم تحميله من مدونة شخصية متعاطفة مع"القاعدة"أكثر من 3700 مرة! لغة ومضامين جديدة يفتتح الكتاب بلغة فكرية سياسية تشبه إلى حد كبير الأساليب التعبوية لكتابات الإخوان المسلمين في الستينات، والتي مثلت آنذاك ذروة التصعيد مع النظام السياسي المصري، وتتناول مقدمة الكتاب في شكل تفصيلي"النظام الوحشي"الذي يدير العالم منذ حقبة"سايكس بيكو"والتجاذب بين القطبين الروسي والأميركي، لتنتقل بعدها الى مفهوم إدارة التوحش، وهو الطور الثالث لاستراتيجية"القاعدة"الحربية في التعامل مع مناطق التوتر والأزمات، مع محاولة تلمس جذور إسلامية، وحتى ثورية يسارية، لإدارة التوحش، التي تعني في شكل مبسط كيفية استغلال الفوضى في مناطق التوتر والاضطرابات لتكوين خلايا مدربة يمكن أن تقوم بعمليات نوعية تستنزف القوى الكبرى. ثم ينتقل المؤلف في الفصل الثاني للحديث عن رؤية التنظيم الدينية لمفهوم"التمكين"، والذي يحتل مرتبة كبيرة في الخطابات الأصولية التي تسعى إلى أن تكون لها الغلبة في الأرض لتطبيق ما تراه الشريعة من وجهة نظرها، وهي نموذج مقارب لما كانت تدير به"طالبان"مناطق نفوذها إبان حكمها، و"التمكين"من وجهة نظر القاعدة يحتاج إلى خطة عمل بعيدة المدى، تبدأ بما يسمى"شوكة النكاية"وهي إنهاك العدو بضربات وبعمليات مصغرة إلى أن تحين فرصة القيام بعمل كبير، فإنهاك الخصم كما يقول مؤلف الكتاب، خطوة أولى لتحويل المعركة مع الغرب من حرب بالوكالة عبر"الحكومات الكفرية"، إلى حرب مباشرة والتورط في مستنقع المواجهة مع المجموعات والخلايا المنتشرة في مناطق التوتر كلها، هذا الإنهاك يبلغ مداه حتى يتم تكوين جبهات وقواعد ثابتة، سواء في أفريقيا أو في أفغانستان، يمكن من خلالها استقطاب المزيد من العناصر وعسكرتها وهو ما يسميه المؤلف"تحقيق الشوكة". الفكرة الأساسية إلا أن الفكرة الأساسية للكتاب هي محاولة جادة لطرح أفكار"القاعدة"العنيفة من البوابة الاقتصادية، فما حصل ويحصل في العراق من أوضاع مأسوية وخسائر جمة، أغرت"القاعدة"بتحويل العالم كله إلى مستنقع عراقي، ويؤكد المؤلف:"أن الضعف الاقتصادي الناشئ عن تكاليف الحرب أو الناشئ عن توجيه ضربات النكاية مباشرة إلى الاقتصاد هو أهم عوامل الفناء الحضاري، إذ يهدد الترف والملذات التي تلهث خلفها تلك المجتمعات، فيبدأ التنافس بينهم حولها بعد أن تقل بسبب ضعف الاقتصاد، كذلك تطفو على السطح من خلال الضعف الاقتصادي المظالم الاجتماعية ما يشعل الحروب أو المواجهات السياسية والفرقة بين شرائح كيان المجتمع في بلد المركز". ولا تخفي"القاعدة"عبر هذه الأطروحة الفكرية الخطيرة أن تسخر من الترف الأميركي وتعول عليه في عدم قدرة أميركا على تحمل تبعات الحرب، على رغم الهالة الإعلامية والحرب النفسية والأدوار التي تلعبها في المنطقة وأبرزها ما يسمى"الحرب بالوكالة"، وهو مفهوم ركز عليه المؤلف كثيراً ودعا إلى إنهائه وجر الجيش الأميركي إلى المعركة. إدارة الفوضى / التوحش في مناطق التوتر وإذا كان المؤلف ركز على ضرورة التعامل بطريقة"إدارة التوحش"، من خلال نشر الأمن الداخلي في مناطق التوتر بغية استمالة أهلها وإقناعهم بأن خيار"القاعدة"أفضل من خيار الدول المركزية أو المحتل، فإنه لم ينس ضرورة أن تعود"القاعدة"إلى لعب أدوار اجتماعية وتكافلية من دون الاقتصار على الجانب العسكري فقط، وذلك من خلال:"توفير الطعام والعلاج في المناطق المتوترة، تأمين منطقة التوحش من غارات الأعداء، وإقامة القضاء الشرعي بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش، بث العيون واستكمال بناء إنشاء جهاز الاستخبارات المصغر، إقامة التحالفات مع من يجوز التحالف معه ممن لم يعط الولاء الكامل للإدارة". ولا ينسى المؤلف، في خضم هذه التصورات المفزعة لطريقة عمل"القاعدة"في مناطق الحروب والفتن، أن يحاول تأصيل هذا الدور لإدارة التوحش، من خلال تشبيهه بالسنوات الأولى من هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحقبات تاريخية أخرى كما حصل أثناء الهجمات الصليبية وهجمات التتار، وينقل عن الزعيم الأصولي أبي قتادة قوله:"إن شئت فاقرأ بالتفصيل ما كتب في ثنايا السطور عن الحروب الصليبية تدرك أن الإنهاك الذي كانت تقوم به طائفة العلم والجهاد هو الذي حقق النصر في المعارك الكبرى لا المعارك الكبرى ذاتها". كما يذكر حوادث لا تقل غرابة في فهم التاريخ والمنطق الذي يحركه، حين ينقل عن الزعيم الروحي لتنظيم القاعدة عبدالله عزام قصة قيام مئة رجل مسلم بإدارة منطقة جبلية بين ما يعرف بايطاليا وفرنسا الآن، وفرض ما يشبه الجزية على ما يجاورها من المناطق واستمر ذلك فترة من الزمن. ويدفع الغرابة عن قارئ الخبر ليؤكد أن هذا هو وضع التنظيم في بداياته الباكرة في أفغانستان في المراحل الأولى من القتال ضد الاتحاد السوفياتي. ولمرات قليلة نادرة، يستعين المؤلف بنماذج غير"إسلامية"فيضرب أمثلة بحركات ثورية كحركة جون غارنغ في جنوب السودان المسماة الجبهة الشعبية لتحرير السودان، وحركات اليساريين في أميركا الوسطى والجنوبية، بل يبدي إعجابه الشديد بالشيوعيين الذين يعتبرهم:"أبدعوا في بعض النواحي العملية في إدارة مناطق التوحش"! ضرب المنشآت الاقتصادية يرى المؤلف أن أهم ما يسبب تحقيق الشوكة هو ضرب المنشآت الاقتصادية وجعلها الهدف الأول لعمليات التنظيم المستقبلية، ويحاول جاهداً الرد على مجادليه الذين يرون أن التركيز على الجانب الاقتصادي، خصوصاً النفط، يضر بمصدر الثروة الأساسي للدول الإسلامية، معتبراً أن هذا الضرر هامشي في مقابل مصلحة"النكاية"بالعدو! هذا الاستهداف تمت الإشارة إليه في بيان وزارة الداخلية السعودية الذي شدد على أن المجموعات المقبوض عليها كانت تخطط لاستهداف المنشآت والشركات النفطية وهو ما شدد عليه مؤلف الكتاب لجهة ضرورة التفكير في ضرب جميع أنواع الأهداف الجائز ضربها شرعاً"إلا أننا يجب أن نركز على الأهداف الاقتصادية خصوصاً النفط". الاستفادة من تقنيات الإدارة الحديثة تتوالى فصول الكتاب للحديث عن أمر يعتبر جديداً في خطابات"القاعدة"التحريضية وهو الحديث عن إتقان العمل وضرورة الاستفادة من الخبرات الإدارية، وهذه الاشارة ربما تحمل في طياتها نقداً لعمل"القاعدة"التقليدي السابق، ومحاولة للاستفادة من تقنيات الإدارة الحديثة في صفوف التنظيم، كما أن أبحاث الكتاب الأخرى تتناول قضايا سياسية ذات طابع حربي، ولعل من أكثرها إثارة للفضول دعوة"القاعدة"أتباعها إلى ضرورة تفهم قواعد اللعبة السياسية، ما يشير إلى تسويغ التحالف مع كيانات معادية للولايات المتحدة وفي طليعتها إيران، وهذا ما تؤكده الأنباء التي تتداولها مصادر أمنية حول وجود قياديين سنة للقاعدة في إيران، لا سيما بعد تكثيف الحملات على المنافذ الأخرى للدخول إلى العراق. استخبارات القاعدة لا يغفل الكتاب أيضاً الجانب الاستخباري، إذ يتحدث عن السياسة الشرعية في التعامل مع الخصوم بحنكة وضرورة بث الخصوم واختراق الأجهزة الحكومية ومحاولة إيجاد عملاء مزدوجين للتغطية على تحركات التنظيم، ولا يغفل أيضاً الحديث عن مفهوم الصبر في المواجهة وضرورة تحمل تبعات الهجمة الشرسة على التنظيم في بقاع العالم. الداخلية السعودية: رؤى حاقدة ومريضة وإذا كان بيان وزارة الداخلية نبه الى أهمية الكتاب بسبب وجوده في أكثر من موقع تم كشفه ضمن سلسلة الضربات الأمنية الاستباقية الناجحة فإنه علق عليه بعبارة تكثف كمية العداء التي يكنها الكتاب للبلدان الإسلامية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية فهو كما يقول البيان:"يفضح أحلامهم المريضة ورؤاهم الحاقدة". نقلة نوعية في المرجعيات ويرى كثير من المراقبين أن الكتاب نقلة نوعية في تفكير تنظيم القاعدة الاستراتيجي، إذ كانت الكتب الأساسية التي تشكل"عقل"التنظيم الأصولي موجهة للأتباع، مثل كتب أبي محمد المقدسي أو كتاب الفريضة الغائبة لعبدالسلام فرج، أو حتى الكتابات التي ألفها فارس بن شويل أو ناصر الفهد أو علي الخضير وهم رموز علمية لتنظيم القاعدة في السعودية اعتقلوا في وقت لاحق، إلا أن كتاب"إدارة التوحش"مختلف عن تلك الكتابات بدءاً من العنوان الذي كتب بلغة حداثية معاصرة، إضافة إلى المحتوى الذي أتى مغايراً للطريقة التقليدية في الكتابة والمعتمدة على حشد النصوص ونقول العلماء والاستناد إلى نصوص مبتورة لمرجعيات دينية تراثية اعتقلتها السلطات السعودية في أوقات سابقة، فقد تم استبدال الخطاب القديم بآخر معاصر يعتمد التعبئة الفكرية والشحن النفسي ويحاول التركيز على سلبيات ومساوئ التدخل الغربي والأميركي خصوصاً في المنطقة وانعكاسات ذلك، وهو ما يفسره المحللون بأنه محاولة من التنظيم لاستقطاب أعداد جديدة من الأتباع ممن يتحفظون على طريقة تفكير التنظيم السابقة والمبنية على مفاهيم باتت هشة في عالم اليوم، كعودة الخلافة وفرض نظام أصولي مثل نظام"طالبان". * باحث في شؤون الجماعات الإسلامية من هو أبوبكر ناجي مؤلف الكتاب ؟ من البديهي أن اسم مؤلف الكتاب أبو بكر ناجي هو اسم مستعار وفق عادة"القاعدة"في التمويه على شخصياتها العلمية التي تكون في منأى عن العمل الميداني، لكن دلالات هذا الاسم المستعار تطرح الكثير من الأسئلة عن سبب اختيار اسم مباشر بدل الكنى والألقاب المناطقية، من مثل أبو البراء النجدي أو ما يشابهه في الانتساب إلى بلدان أو مناطق مختلفة. ولعل حرص التنظيم على تمويه مؤلف الكتاب بحيث لا يمكن حصر التفكير الذهني في نسبة شخصيته الى بلد دون آخر، كما أن أسلوب الكتاب يتأرجح بين الفصول ذات الطابع الفكري والأخرى المهتمة بالتفاصيل العسكرية، وهو ما يدل الى وجود أكثر من مؤلف واحد، كما أن غياب مرجعيات تقليدية وحضور طاغ لاسم أثار جدلاً واسعاً مثل أبي قتادة الفلسطيني الذي اطلق سراحه في شكل مشروط في الأسابيع القليلة الماضية ووضع في الإقامة الجبرية في بريطانيا يدل دلالة واضحة الى أن التنظيم لا يريد أن يتسبب بالأذى لشخصيات تقيم في البلدان العربية وإلا فإن مكانة شخصية محورية كأبي محمد المقدسي الطليق أيضاً في الأردن لا يمكن مقارنتها بأية شخصية قاعدية معاصرة. التمويه على شخصية مؤلف الكتاب، استمر من خلال شخصيات حوارية على مواقع الإنترنت تحمل الاسم المستعار نفسه، تناقش أعضاء المنتديات المتعاطفة مع القاعدة حول مضمون الكتاب، واللافت أن تلك المشاركات لم تستهدف المواقع الجهادية، بل تمت في مواقع أصولية متعاطفة، الأمر الذي يؤكد أن استراتيجية التنظيم المقبلة هي استقطاب أعضاء جدد، ومحاولة ايجاد مناخ تأييد للقاعدة في الإنترنت. ختاماً، وفي رأيي الشخصي، أعتقد بأن الجهاد الإلكتروني للقاعدة برهن على مدى سنوات، على كونه تجديدياً وإبداعياً وأحياناً فعالاً. وهذا صحيح في مستويين: شعور المتعاطفين مع التنظيم في حاجته الدائمة اليهم واعتنائه بهم. وإحساس المجتمع الدولي بالتهديد الذي تشكله"القاعدة في جزيرة العرب"عبر ما تنشره، ثم قيامه بالتحرك تبعاً لذلك، وهذا ما يرضي غرور التنظيم، ويشيع جواً من السعادة بين أعضائه. " القاعدة"تسوّق للعنف من البوابة الدينية يروج المؤلف للكتاب على أنه"مشروع القاعدة الجديد"، محاولاً عقد مقارنة بينه وبين مؤلفات التيارات الأصولية وحتى الإسلامية التقليدية الأخرى، وهو يعتقد"أن تيارات الحركة الإسلامية لم تضع مشاريع مكتوبة عدا خمسة تيارات، فبعد إخراج تيار التبليغ والدعوة وتيار سلفية التصفية والتربية يعني مدرسة الشيخ الألباني وتيار سلفية ولاة الأمر والمقصود المؤسسات الدينية الرسمية وغيرها، سنجد أن التيارات التي وضعت مشاريع مكتوبة وتصلح للنقاش هي خمسة تيارات: تيار السلفية الجهادية، تيار سلفية الصحوة الذي يرمز له سلمان العودة وسفر الحوالي، تيار الإخوان، تيار إخوان الترابي، تيار الجهاد الشعبي مثل حركة حماس وجبهة تحرير مورو وغيرها". والكتاب يدل الى أن القيادات الفكرية لتنظيم القاعدة مهتمة برصد مشاريع وأفكار حركات الإسلام السياسي الأخرى ونقدها، بهدف إبراز المشروع القاعدي بوصفه الحل السحري لمشكلات العالم، في حين أن معظم هذه التيارات - إذا استثنينا محاولات تنديدية للمؤسسات الدينية الرسمية - لم تجابه مشروع القاعدة الفكري كما يجب، الأمر الذي لطالما اشتكت منه الجهات الأمنية، التي ترى أن المعركة مع قوى الظلام والإرهاب ليست معركة أمنية فقط. ويلاحظ ان التصنيف القاعدي للتيارات الإسلامية دليل الى ان"القاعدة"لم تتخل عن مفهوم السلفية، لكنها ربطتها بالجهاد ووصفت السلفيات الأخرى بأنها"مزورة أو مزيفة"، وهو دليل الى أن"القاعدة"تدرك أن نجاحها وفشلها يكمنان في مدى قدرتها على تسويق أفكارها العنيفة من خلال البوابة الدينية، ومن هنا فإن معنيين بقراءة فكر القاعدة يرون أن المحاولات التي لا تناقش المفاهيم الدينية المغلوطة للقاعدة تذهب أدراج الرياح، فمجرد الإدانة العامة ووصفها بالخروج على الإسلام ليس كافياً لمجابهة فكرية حقيقية. وإضافة إلى تدشين مسمى السلفية الجهادية للفرار من الصورة السلبية التي اكتسبها مسمى تنظيم القاعدة، فإن الكتاب حفل بالكثير من النقد للتيارات الأخرى بل لدول كالسودان ولتجربة"حماس". هذا الخليط من المرجعيات التي تهدف"القاعدة"من الاقتباس منها إلى إضفاء صبغة سياسية وفكرية على استراتيجيتها العسكرية الجديدة، يؤكد النقلة النوعية التي يعيشها التنظيم في إعادة ترتيب صفوفه، ويؤكد مرة ثانية أن الحرب على الإرهاب طويلة وشاقة.