بالرغم من أن كل الأديان السماوية والفلسفات لديها غالبا نصوصا تحرضها على الطرف المناوئ لها، إلا أن هذا الواقع تمكنت الديانات من تجاوزه في حقبٍ تاريخية عدة، عبر آليات حوار وطرق تفسير النصوص المقدسة بشكل غير"حرْفي". وتمكن المسلمون في القرون الماضية من تفوق دولتهم في استيعاب مختلف الأقليات الدينية التي لم تدخل في الإسلام. مثلما استوعب الغربيون النصارى في العصر الحديث أقليات دينية وعرقية من مختلف الانتماءات. تبعاً لذلك وبالتزامن مع النشاط السعودي في إطلاق الحوار بين الأديان والأمم، يتساءل المفكرون والمثقفون عما إذا كانت الديانات قادرة على تجاوز أدبيات الصراع الدينية، والتلاقي عند القواسم المشتركة، على اعتبارها جسر التفاهم. عن ذلك يقول عضو مجلس الشورى عازب بن سعيد آل مسبل ل"الحياة":"إن الذي نعلمه إن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان الثلاثة الإسلامية واليهودية والنصرانية دعوة للحوار فيما يمكن فيه الحوار، أي في المشتركات التي تقلل من الإلحاد والعدوان والفساد والظاهر الذي يقضي على الأخلاق ويقضي كرامة الإنسان، وهذا هدف سام ونبيل لأن الأنبياء عليهم السلام دعوتهم واحدة كما قال تعالى:"وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أن لا اله إلا أنا فاعبدون". وأضاف"إن المشتركات التي يمكن أن نناقش ونتحاور حولها لا تتعلق بالعقائد فالأمر قد فصل بقول الحق تبارك وتعالى:"إن الدين عند الله الإسلام"، وقوله تعالى"ومن يبتع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"، إنما المشتركات بيننا كالحفاظ على البيئة والقيم وكرامة الإنسان، والتعدي على حقوق الآخرين وتقليل الإلحاد وما يتبعه فهذه مما يمكن أن يُتحاور حولها لأجل السلام فاحترام القيم واحترام الأنبياء يؤدي إلى عدم الكراهية". وتابع:"المسلم لا يكره غيره بل يكره ماهو عليه من الكفر وهذه عقيدة فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاء الصحابي عبدالله بن عبدالله بن أبي سلول ووالده رأس المنافقين وقد آذى رسول الله أذى كبير فأعطى لابنه قميصه تطييبا لخاطر ابنه الصحابي المؤمن فغضب عمر رضي الله عنه وذكر النبي يقول تعالى:"سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم"، فقال الرسول الكريم:"ياعمر لو اعلم أني لو استغفرت أكثر من سبعين مرة انه سيغفر له لفعلت"، فهذه رحمة الإسلام والمواقف في هذا كثير فالمسلم لايريد للناس إلا الخير ويتمنى أن يكونوا جميعهم مسلمين ليخلصوا من عذاب الله ولعلمه بأنه لا معبود بحق إلا الله والقران نؤمن به في محكمه ومتشابهه جميعه كما انزل من عند الله فهو الكتاب المحفوظ من التعديل والتحريف لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ونحن نؤمن بموسى وعيسى عليهما السلام والإيمان بهما جزء من الدين، متسائلا آل مسبل"فهل أتباعهما يؤمنون بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم". إبراز محاسن الإسلام بالمجادلة الحسنة مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد العقلا أكد في حديثه إلى"الحياة": أن"التأكيد على أن يتم البدء الفوري للحوار والمناقشة وإبراز كل طرف مزايا دينه، يأتي فيه دورنا كمسلمين في حرص خادم الحرمين الشريفين بمبادرته الرائعة وحرصه المستمر على إيجاد الحلول لمثل هذه القضايا والذي أتوقع أن يسفر عن نتائج طيبة ومبهرة، لان هذا الحوار سواء للمسلم مع اليهودي أو مع المسيحي يصب في خانة إبراز الدين الإسلامي وهو أكثر الديانات السماوية سعة وسماحة وتشجيعا على الحوار وكثير من آيات القران تبرز هذا الجانب، كما تبرز مهمة الأنبياء والرسل بالتحاور"، ومثل العقلا قائلا:"إن الرسول أعطانا أدبيات نسير عليها من خلال بداياته في نشر الدعوة إذ تحاور مع الروم وبدأ بالحوار مع الفرس فيما بعد انطلاقا من دعوته وسنته الكريمة، ولو افترضنا أن الدين الإسلامي به انغلاق لما كانت بداية الدعوة إليه بالحوار، إضافة إلى أن الرسول كون علاقات تجارية مع غير المسلمين وكان مضربا للمثل ومدعاة للفخر حين تأثر اليهود على سبيل المثال به فاعتنق كثير منهم الإسلام ومن النصارى أيضا". ورأى أن"الحوار هو مقارعة الحجة بالحجة والدعوة بالتي هي أحسن وفتح مجالات التعاون بين المسلمين وغير المسلمين كبيرة وواسعة، وليس معنى اختلاف الدين أن يكون هناك توقف وقطع بقية المجالات، فالدين الإسلامي هو الدين الذي فيه رؤية مستقبلية ثاقبة عن بقية الأديان وهذا من فضل الله علينا كمسلمين". وتابع"الديانات السماوية لا تعارض بينها وكلها تنادي بتوحيد الله عز وجل ولكن ماحدث بينها هو في فترة الضعف التي حدث فيها التحريف وكان هناك مجالا للتأويل الخاطئ والمقصود، ونحن ننظر في طريقة التعامل مع المسلم فلا يوجد دين فيه يسر وسماحة وتعامل جيد كما الإسلام وكما ذكرت آنفا أن الرسول قد ضرب أروع الأمثلة في التعامل مع اليهود على وجه الخصوص، وإذا أردنا أن تكون لنا السيادة يجب أن نتحلى بالحكمة والصبر فكثير من الأمثلة تؤكد سماحة ديننا ولكننا نريد التطبيق الذي يبرز ويؤكد مكانة الدين الإسلامي وممارساته الصحيحة عن الممارسات السلوكية الخاطئة لغير المسلمين والتي لها اثر سلبي في تشويه صورة الإسلام". وخلص العقلا"إن جوهر الخلاف لا يكون إلا في العقائد وهذه العقائد لا يمكن التنازل عنها فكل له عقيدته، ولكن لا زال الحوار موجود وواسع في جوانب أخرى تقوم على المحبة ونبذ العنف وكراهية الآخر، لان بعد أحداث 11 سبتمبر رسخ في عقول الغرب أن الإسلام هو دين دموي يدعوا إلى نبذ الآخر وإقصائه وهذا غير صحيح لان ماصدر من بعض أبناء المسلمين لا يمكن أن تبنى عليه الأحكام فهو شاذ ونادر والقاعدة والحكم لا يبنى إلا على القاعدة العامة".