كلما تفاءلنا ببوادر احتراف لاعب سعودي في إحدى الدول الأوروبية المتقدمة، زادت هُوة الخلل الإداري في أنديتنا، وباتساع هذه الهوة تتسع المسافة بيننا وبين الآخرين، لأن البيروقراطية تجثم بكل سلبياتها على أحلامنا وطموحاتنا، وتئد أية بارقة أمل تلوح في الأفق. قبل سنوات عدة، كان نواف التمياط نموذجاً للاعب السعودي المحترف فعلاً، ويملك إمكانات فنية عالية، وكان حينها أساسياً في الهلال والمنتخب، وكان أفضل لاعب في آسيا، وجاءت إليه الفرصة التي يحلم بها للاحتراف في أوروبا، وكان هذا الحلم قريباً وقريباً جداً، لكن عوائق الفكر الإداري عرجت بالمفاوضين الهولنديين بين حانا ومانا، فقرروا المغادرة متذمرين من تعدد قنوات الحوار وكثرة المفاوضين وعدم وجود مصدر واحد للحسم، وقبل سنوات جاءت العروض للاعبين سعوديين في أندية القمة، لكن تم الاحتفاظ بها في الأدراج، لأن الفكر الإداري لدينا هكذا ينظر للعملية الاحترافية. آخر مشاهد المسلسل المكسيكي عرض احترافي للاعب عبده عطيف، وهو لاعب مثقف وموهوب، ويعتبر أفضل لاعبي جيله فنياً وسلوكياً، ومع هذا تاهت ورقة العرض الاحترافي بين النادي البرتغالي ونادي الشباب ووكيل أعمال اللاعب، وكنت أتوقع أن يكون نادي الشباب بما عرف عنه منذ عهد الرئيس الذهبي الأمير خالد بن سعد أول ناد يمنح لاعباً فرصة الاحتراف الحقيقية في أوروبا، خصوصاً أن نادي الشباب يعج بأعداد هائلة من اللاعبين الشبان الموهوبين، وسبق أن تنازل عن جيل ذهبي كامل، إذ غادر فهد المهلل وصالح الداود وفؤاد أنور وعبدالله الواكد ورضا تكر وسعيد العويران، ولم يهتز الفريق بل واصل حصد البطولات المهمة، وآخرها تحقيق بطولة الأبطال على كأس الملك في نسختها الأولى. نادي الشباب يملك الشجاعة وقوة القرار، وغني باللاعبين الشبان الموهوبين، ويستطيع أن يخطو الخطوة الأهم في تاريخ الكرة السعودية، بمنح عطيف فرصة الانتقال إلى أوروبا، ليكون أول لاعب سعودي يذهب بطريقة احترافية فعلية، لأن احتراف سامي الجابر في فريق ولفر هامبتون واندرز الإنكليزي، واحتراف فهد الغشيان في ازد الكمار الهولندي، جاء بطرق غير منطقية، وبالتالي لا يعتد بتجربتي الجابر والغشيان، والفرصة الحقيقية لعبده عطيف. إذا لم تتح الفرصة للاعب عبده عطيف لتحقيق حلمه، فسيلقي هذا القرار السلبي بظلاله على الكرة السعودية عموماً، وستتوقف الأندية الأوروبية عن فكرة جلب لاعبين سعوديين مستقبلاً، لأننا نعيش خارج إطار الزمن الاحترافي الفعلي، ولأننا نتعامل مع الأطراف المفاوضة بطريقة بيروقراطية مملة، تنقصها الشجاعة والرؤية المستقبلية. فوّت الهلاليون الفرصة الاحترافية على أحمد الصويلح العام الماضي فاحترقت موهبته، ونخشى تكرار المشهد مع عبد عطيف، لأن الجميع يهملون رغبة اللاعب، وهي نقطة الحسم في مثل هذه الأمور. [email protected]