ما أن تعلن الشمس بدء نهار جديد، وولوج صباح آخر، حتى تمتلئ السوق بالباعة والتجار استعداداً للمزاد، ومع ارتفاع قرص الشمس في السماء ترتفع الأسعار، حتى ينتصف النهار، فتبدأ الأسعار بالانخفاض، لأن الوقت آن لعودة مراكب الصيد محملة بالمزيد من اللحم الأبيض. هكذا هي دورة الحياة في محافظاتتبوك الساحلية، الوجه، أملج وضباء، التي تنتج جزءاً ضخماً من إنتاج السعودية من الأسماك البالغ 50 ألف طن سنوياً. لمسافة تزيد على 650 كيلومتراً تمتد سواحل منطقة تبوك على البحر الأحمر، بما يمثل 27 في المئة من السواحل السعودية التي يبلغ إجمالي طولها 2400 كيلومتر. وتتميز شواطئ منطقة تبوك بدفئها، الأمر الذي يساعد في توالد وتكاثر الثروة السمكية، ما يؤهلها لتكون وجهة اقتصادية مفيدة، على رغم أنها لم تستغل بالطريقة المثلى إلى اليوم، أهلها لذلك أنها تجمع بين الأمن الغذائي، المتمثل بالثروة البحرية، والأمن المائي. وبحسب إحصاء صدر عن وكالة الوزارة لشؤون الثروة السمكية وإدارة المصايد البحرية في وزارة الزراعة، فإن معدل الزيادة في استهلاك الفرد من الأسماك تصاعد من 7.4 كيلوغرام للفرد في السنة عام 1997 إلى 10.4 كيلوغرام للفرد في السنة مع نهاية عام 2005. وفي العام 2005 بلغ ما استوردته السعودية من المنتجات السمكية 141297 طناً مترياً قيمتها 766 مليون ريال، بارتفاع قدر ب 14 ألف طن عن العام الذي سبقه. أما صادرات السعودية في العام نفسه فكانت 14129 طناً من المنتجات السمكية بقيمة 169 مليون ريال تقريباً، ما مثل زيادة في كمية الصادرات عن العام 2004 بمقدار 4739 طناً، بنسبة زيادة مقدارها 50.4 في المئة، بقيمة قدرت بنحو 63 مليون ريال. وتعد حرفة صيد الأسماك هي المهنة الرئيسية لمعظم أهالي محافظات أملج والوجه وضباء وحقل والمراكز التابعة، توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، إذ يمتهن معظم أهالي المدن الساحلية صيد الأسماك لتوفير متطلباتهم المعيشية، ويعتمدون اعتماداً رئيسياً على صيد الأسماك. ويقدم البنك الزراعي قروضاً للمستثمرين والصيادين من أجل زيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة دخل المواطن، بإعطائهم قروضاً لتطوير طرق الصيد، وتشجيع الصيادين على استخدام القوارب الحديثة، إضافة إلى المحافظة على هذه المهنة العريقة. من جانبه، ذكر المدير العام للبنك الزراعي في منطقة تبوك المهندس محمد العلاوي أن البنك الزراعي يدعم الصيادين وفق شروط ميسرة، إذ أقرض البنك في منطقة تبوك 415 صياداً، تجاوزت قيمة قروضهم 29 مليون ريال. وأوضح أن الصياد يمنح القرض إذا كان يحمل رخصة صيد، وترخيصاً من إدارة الثروة السمكية في وزارة الزراعة، وشهادة خبرة في هذا المجال تثبت أنه من مرتادي البحر، إضافة إلى اشتراط أن يكون المقترض مقيماً في المنطقة نفسها. أما محافظة الوجه التي تبعد عن مدينة تبوك بنحو 325 كيلومتراً، فازدهرت أكثر من غيرها من المحافظات، وانطلقت فيها الحياة التجارية والاقتصادية، بسبب سهولة مواصلاتها البحرية، واتصال سكانها بالعالم الخارجي، إذ يبلغ عدد الصيادين فيها 440 صياداً، يساعدهم حوالى 540 عامل صيد، ويبلغ عدد قوارب الصيد في الوجه 820 قارباً، إضافة لقوارب النزهة. ولمحافظة الوجه ميزة عن غيرها من المحافظات، إذ يفضل جراد البحر الاستاكوزا المشهور بطعمه اللذيذ، السكن في محيطها المائي من دون غيرها، حتى إنها تكاد تستمد شهرتها منه الاستاكوزا هو حيوان بحري يتراوح طوله بين قدم وثلاثة أقدام، ويعيش في مياه الشواطئ الضحلة، ويستفاد منه ككتلة بيضاوية من اللحم الأبيض تستخرج من عظم الذيل. وتقدر كميات الأسماك الصادرة في منطقتي أملج والوجه بآلاف الأطنان سنوياً، وأهم أنواع الأسماك التجارية في المنطقة هي: الناجل، الطرادي، الشريف، البياض، العقام، الدراك الكنعد، الشعور، الحريد، الكشر، النجار، السيجان، العربي، البلطي. وتوجد موانئ عدة ومراكز لإنزال الأسماك، إضافة إلى ميناءي محافظتي أملج والوجه، ففي محافظة أملج توجد مراكز إنزال في مرفأ أملج والحسي والشبعان والحرة والخرج والخوارة، أما بالنسبة لمحافظة الوجه، فتوجد مراكز الميناء وعنتر وحرامل وهبان وغواش والمريسي. ويتم الصيد بأدوات وأساليب مختلفة مثل: الصخوة والأشرعة والباروص والاشورة والسنارة والشركان، وهذا يشبه الشوار ذي فتحات كبيرة. وفي محافظة ضباء الواقعة على ساحل البحر الأحمر على بعد 18 كيلومتراً عن مدينة تبوك يكثر"القريدس"، الذي يتم صيده في منطقة الخريبة، التي تبعد عن محافظة ضباء ب 100 كيلومتر شمالاً، وتتميز طبيعة المنطقة بالتربة الطينية، التي يعيش فيها القريدس الروبيان بكثرة. وبحسب إحصاء قدمه قسم الثروة السمكية في محافظة ضباء، فإن عدد رخص الصيد بجميع فئاتها التي أصدرها القسم بلغ 996 رخصة، في حين بلغ عدد الوسائط البحرية العاملة السفن والقوارب المسجلة في المحافظة 346. وذكر الإحصاء أن كمية متوسط الصيد في السنة 29628 كيلوغراماً تقريباً من كل أنوع الأسماك المنتشرة في محافظة ضباء، مثل الشعور والفارس والصرع والكشر والشريف والبياض والناجل والطراد والحريد والسيجان والعربي والقاص والبهار والكحاية والخرم. ومن أهم مراكز الإنزال السمكي لمحافظة ضباء: القف، زبيدة، ضباء، المويلح، الصورة، الضلعة، الخريبة، كما أن أهمها في مقناء، قيال، الشيخ حميد، قصارى، التبة، الحميضة، السلطانية، الوصل. وتنتشر الأنواع الآتية من الأسماك في المحافظة: الجمبري، كابوريا، الخفض سوبيا، المكرونة، والباغة، والسردين، والزفة، ووصل عدد مراكب الصيد في محافظة ضباء إلى 470 مركباً. وأوضحت بعض الدراسات وجود فرق بين إنتاج الأسماك وبين استهلاكه في السعودية، إذ يبلغ الإنتاج 50 ألف طن سنوياً، بينما يصل الاستهلاك إلى 100 ألف طن سنوياً.