أخيراً، عاد حسين الصيري يمني، منهياً رحلة طويلة من المتاعب التي لحقت به وبأسرته، منذ اختفائه قبل نحو أربعة أشهر، عاد إلى السعودية التي رُحل منها"مُخالفاً"لأنظمة الإقامة، ليأتي إليها"مُتسللاً"مع مجموعة من مواطنيه، عاد بعد ان تخلى من الأمراض النفسية، التي جعلته يصعد جبالاً شاهقة ويقطع صحاريَ وعرة. ترك حسين، المولود في الدمام قبل 17 عاماً لعائلة يمنية، مدرسته الثانوية، منتصف اختبارات نصف السنة في بداية العام الهجري الجاري، بعد أن رفض ان يحضر بقيتها، لأنه"لا يُحب أن يرى المدرسة"، فذهب به والداه إلى مستشفى الأمل، ليتلقى علاجاً نفسياً جعله أكثر هدوءاً، بيد أنه في يوم 14 شباط فبراير الماضي، أثار"الهلع"في نفس والديه، إثر اختفائه المفاجئ عن المنزل. وفيما كان الأهل يبحثون عنه في الأماكن القريبة، كانت شرطة الخبر تلقي القبض عليه في شاطئ نصف القمر، الذي وصل إليه مشياً من منزل أسرته في الدمام، بيد أنهم لم يعثروا لديه على بطاقة تحدد هويته، فأخذوه إلى سجن الترحيل العام، ومن هناك إلى منطقة البقع على الحدود السعودية اليمنية، فيما والده، يواصل البحث عنه في الدمام، ويلجأ إلى"الحياة"لتنشر خبراً عن اختفائه، على أمل ان يصل إلى أي معلومة تشير إلى مكان وجوده. وبعد أن يئس الأب من البحث في الشرقية، ذهب إلى الرياض، ومن ثم إلى جدة، فمكة المكرمة، ومنها إلى الطائف، وصولاً إلى خميس مشيط، وصامطة، كما ذهب إلى اليمن ذاتها مرتين، يبحث في الجبال، والصحراء، ويسأل كل مركز شرطة يمكن أن يكون اُحتجز فيه، أو مستشفى أُدخل إليه. وفي هذه الأثناء كان حسين يركب جبال تعز الشاهقة والطويلة 120 كيلومتراً، إذ كان يعتبر أن المشي فوق الجبال"من الرجولة والكرامة والتحدي والمغامرة، والحرمان منه كأنه حرمان من الجنة". خرج حسين، من منزل أهله،"لا يحمل سوى ثوبه"، كما يقول والده، الذي أنهكه البحث عنه لمدة 40 يوماً، حتى جاءه، اتصال هاتفي من اليمن، في يوم 23 آذار مارس، يبلغه بالعثور على ابنه"في حال غير طبيعية في الجبال، بثياب مُقطعة، وبعد التحقيق معه ذكر اسم العائلة، فأوصلوه إلى أحد أفرادها الموجود في اليمن. ومن هناك ذهبوا به إلى مستشفى نفسي في صنعاء، إلا أنه استطاع الهروب منه بعد يومين". وخلال سفر والده إلى اليمن، بعد ان أوصى أن يتم حجزه، كان حسين قد هرب، وخطط لعبور حدود السعودية مع مجموعة من المتسللين، فيما كان والده يواصل البحث عنه في اليمن، سمع من أقاربه أنه كان يتحدث على الهرب إلى السعودية، فما كان من الأب إلا أن عاد أدراجه، باحثاً عنه في المدن الحدودية، حتى وجده في مطعم في صامطة، بعد أن اتصل به شخص، وأخبره أنه شاهد ابنه جالساً في ذلك المطعم. لم يصدق الأب، أن يجد ابنه بعد هذه الأشهر من الاختفاء، كما لم يصدق كل ما حل بابنه، بدءاً من ترحيله من الدمام، وركوبه جبالاً شاهقة في اليمن، والتحقيقات معه في المراكز الأمنية، والهروب من المستشفى، كل ذلك حدث لابنه خلال الأشهر الماضية. وعاد به إلى حيث يعيش في الدمام، إلا أن ذلك كان يتطلب كثيراً من الإجراءات الأمنية والطبية، حتى تسهل عملية تصحيح وضعه في الجوازات، ودخوله إلى مجمع الأمل للصحة النفسية. وهنا قدمت إمارة الشرقية، كل التسهيلات لحسين. ويقول الأب:"ذهلت من تعاون الإمارة، وتعاون الجهات الرسمية معي، كالجوازات، ومجمع الأمل، والشرطة. جميعهم لم يقصروا مع ابني، في أي شيء". وعلى رغم أن والد حسين، له من الأبناء 15 ابناً، إلا أنه حين فقد حسين طاف الأرض حتى يجده، ويعيد تأهيله من جديد، حتى أنهى قبل أيام، فترة علاجه في مجمع الأمل، وعاد لمدرسته، إذ رجعت له صحته النفسية والجسدية من جديد، منهياً حكاية خيالية من السفر والترحال بين السعودية واليمن، بصحبة العناء والشقاء.