ربما كانت شخصية"أشعب البخيل"وربطها ب"الزوج البخيل"لم تندثر كما يعتقد البعض، فكثير ممن يشبهونه يعيشون حولنا ولا يكترثون بتلك المواقف المحرجة، وربما كانت الزوجة أول المتضررين من هذا البخل وسط مجتمع عهد مسؤولية الإنفاق إلى الزوج والموكول بأمور الأسرة كاملةً، وكان من المفترض على الزوجة أن تتحمل العيش مع الرجل غير الملتزم بواجباته المادية نحو أسرته، وانتظار نتائج هذا الحرمان الذي يدفعه الطفل المحروم من ابسط الأشياء الضرورية لطفولته السعيدة، في مقابل أن يحتفظ والده بالمال إلى أجل غير محدد. لم يتحفظ خالد النجراني في أن يقص علينا تجربة كان شاهداً عليها، تدور تفاصيلها حول رجل بخيل جداً لا يتحمله سواء المقربون له أو غيرهم، يقول:"أعرف صديقاً يخاف أن يضع يده في جيبه، وحدث أن كنت موجوداً حينما طلب منه ابنه الصغير أن يعطيه ريالاً واحداً من أجل شراء قطعة حلوى ورفض الأب بشكل قاطع، على رغم توسلات الطفل الصغير الذي وصل به الأمر إلى حد البكاء لأن أصدقاءه اشتروا من المحل كل ما يشتهون وهو لا، فكان رد الأب بأنه سبق أن أعطاه ريالاً صباح ذلك اليوم، وبقيت مذهولاً أمام هذا الموقف الذي ليس له أي علاقة بالإنسانية المطلوبة من الأب تجاه أسرته لأنها مسؤوليته في الدرجة الأولى وليست مسؤولية الغير". وتصف مشاعل الثويمري أن بخل الزوج بمثابة الصاعقة التي بإمكانها أن تدمر المجتمع بأكمله، تقول:"كان زوج جارتي بخيلاً إلى حد أن كل أطفاله في البيت حقدوا عليه، أما الزوجة فلم تعد تعرف كيف تتصرف في بيتها فقد اختلط عليها الأمر وأصبحت تخاف من تهديدات زوجها البخيل الذي كان لا يتواني عن ممارسة العنف عليها وعلى أولادها إذا ما تمردوا على قوانين البخل الذي يحرص على تطبيقها عليهم، فكان يحرمهم من ابسط حقوقهم في الحياة مثل مشاهدة التلفزيون حفاظاً على الكهرباء، حتى أنه كان يمنعهم من الدخول للمطبخ إلا في أوقات محددة فقط، ووصل به الأمر إلى إهمال أطفاله، وإذا مرض احدهم لا يأخذه للمستشفى خوفاً من صرف المال، معتبراً أن مرض ابنه حادثة لم يخطط لها ضمن موازنته". أما سطام النمي فيذكر قصة عائلة تخلى عنها عائلها بسبب البخل، على رغم أنه يملك من المال ما يكفي لتوفير حياة كريمة لها، يقول:"منذ بداية زواجه تخلى الزوج الميسور عن مسؤوليات بيته بشكل كامل، وساءت الأمور بالنسبة للزوجة المسكينة مع مجيء عدد من الأطفال الذين لم يكن لهم ذنب في اختيار والدهم البخيل، ومع كل محاولة لتغيير سلوك الزوج كانت الزوجة تصل إلى طريق مسدود، إلى أن استسلمت للأمر الواقع وطلبت من أهلها التدخل، فلم يكن أمامهم سوى أن تطلق ابنتهم وتهدم أسرتها، أو أن يصرفوا هم عليها هي وأطفالها، وهذا فعلاً ما حدث إذ أخذ أخوة الزوجة مسؤولية الإنفاق على بيت صهرهم البخيل". يجزم نواف الشمري أن البخل، خصوصاً عند الرجل، هو سلوك مرضي يتنافى مع طبيعة العلاقة الزوجية، ويروي قصة تشكل الوجه الثاني لقناعته، يقول:"أعرف امرأة متزوجة طبيبة لها أربعة أطفال وقد اضطرت لطلب الطلاق من زوجها الذي يزاول مهنة الطب، وذلك لعدم إنفاقه عليها وعلى أولاده بل أكثر من ذلك كان يطمع في راتبها، على رغم ظروفه المادية الممتازة، لكن البخل الذي كان يتميز به جعله يتناسى كل مسؤولياته، والمفارقة في هذه القصة لا تكمن في تخلي الزوج عن مسؤوليته تجاه أسرته ولم يهتم بطلب الزوجة للطلاق، وإنما في شروط حصولها على الطلاق، إذ أجبرها زوجها البخيل وبعيداً عن كل المفاهيم الأخلاقية الإنسانية أن تتنازل له عن ارض تجارية ملك لها في مقابل أن يطلقها، ويستطرد الشمري قائلاً: لا اعتبر أن ما قام به هذا الزوج البخيل هو سلوك إنساني بل يدل على أنانية مفرطة ومؤذيه للزوجة وللأولاد الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أبناؤه، على رغم أن المال هو وسيلة لتحقيق السعادة الزوجية والأسرية وليس سبباً لتدميرها والقضاء عليها.