نفى وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف وجود صندوق سيادي لدى المملكة حالياً، وقال إن لديها صناديق استثمارية وهي الأهم، لافتاً إلى وجود خلط بين إنشاء المملكة شركة استثمارية وبين إنشاء صندوق سيادي، فيما أعرب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي حمد السياري عن صعوبة وضع أرقام واضحة ومحددة للتضخم في المملكة خلال المرحلة المقبلة، مع وجود ضغوط تضخمية عالمية. وقال العساف في كلمة أمام مؤتمر يوروموني الثالث أمس في الرياض:"المملكة ليس لديها صناديق سيادية، ولدينا صناديق استثمارية وهي الأهم، خصوصاً ان استثماراتها داخل المملكة، وهناك خلط بين إنشاء المملكة شركة استثمارية وبين إنشاء صندوق سيادي".وأضاف أن الشركة الاستثمارية المعلن عنها"هي شركة مساهمة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وهي قابلة لدخول مساهمين آخرين واستثماراتها مفتوحة داخلياً وخارجياً بحسب الفرص المتاحة وبما يخدم الاقتصاد الوطني". وأعرب عن اعتقاده بأن"المملكة لم تصل الى مرحلة كبيرة من حيث حجم الموارد التي تعطيها الاطمئنان بالدخول في استثمارات ذات آجال طويلة أو مخاطر عالية، إضافة إلى أنه توجد لدينا فرص استثمارية كبيرة داخل المملكة تحقق عوائد مجزية، ولذا نفضل أن نستثمر في أصول ذات عوائد مناسبة ودرجة مخاطر منخفضة، خصوصاً أن الأمر يتعلق باستثمار موارد لنا شركاء فيها وهم الاجيال القادمة". ولفت إلى أن إنشاء أي صندوق سيادي للمملكة يحدده وضعها وحاجتها، في ظل وجود فرص استثمارية كبرى داخل المملكة، وكذلك وجود مرونة ودرجة ملائمة من السيولة في استثمارات احتياطاتها بحكم اعتماد الايرادات على صادرات النفط الذي تتعرض أسعاره للتذبذب. وأكد العساف أن هذا المؤتمر يأتي في وقت تشهد فيه المصارف والمؤسسات المالية الكبرى والقطاع المالي في العالم استقراراً في ظل تدخل الجهات الرقابية، خصوصاً البنوك المركزية في الدول الرئيسية، إضافة إلى دخول مستثمرين دوليين خصوصاً المستثمرين المؤسسين لما يدعى بصناديق الثروة السيادية، حيث كان لهم دور مهم في الحصول على السيولة اللازمة. وطالب بضرورة وضع قيود على التدفقات المالية بين دول العالم بما فيها استثمارات الصناديق السيادية والاستثمار المؤسسي، سواء كانت تلك التدفقات من الاقتصاديات الناشئة أو النامية للدول المتقدمة أو بالعكس، في ظل الظروف الحالية التي يحتاج فيها النظام المالي العالمي الى هذه التدفقات اكثر من أي وقت آخر. وشدد العساف على دعم الدولة للقطاع الخاص في المملكة وتعزيز دوره كشريك استراتيجي في التنمية، وتذليل العقبات أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، مؤكداً حرص الدولة على توجيه الموارد المالية الكافية لدعم المشاريع التنموية الكبرى التي تم إطلاقها أخيراً، خصوصاً مشاريع البنية الاساسية المادية والاجتماعية والتدريب. وقال إن"المملكة تحرص على الاستقرار المالي والنقدي واستقرار الاسعار، الا ان الارتفاعات الكبيرة في اسعار السلع الاساسية، وما أدت إليه من ارتفاع معدلات التضخم، والتي تجاوزت المعدلات السائدة خلال ال25 سنة الماضية، جعلت ذلك تحدياً كبيراً للسياسة الاقتصادية المحلية، ما جعل الوزارة بالتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى، تقوم ببرمجة الانفاق في محاولة للحد من الضغوط التضخمية، مع الاستمرار في تنفيذ المشاريع التنموية، وان كان لها تأثير تضخمي على المدى القصير، الا انها ومن خلال فك الاختناقات وتوسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، ستساعد في تحسين مستويات المعيشة وتحقيق التنمية المستدامة". وطالب العساف دول العالم بعمل جماعي لإدارة أزمة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، خصوصاً المواد الغذائية وتخفيف آثارها السلبية، خصوصاً على الدول الفقيرة، مؤكداً أن معالجة تلك الأزمة تتطلب معالجة أسبابها المتمثلة في استخدام محاصيل غذائية لتصنيع الوقود الحيوي، والدعم الذي تقدمه الدول المتقدمة لمزارعيها، ما حد من قدرة مزارعي الدول النامية على النفاذ الى الاسواق المتقدمة، وبالتالي الحد من قدرات تنمية القطاع الزراعي خصوصاً في انتاج الغذاء. وأكد أن المملكة تأثرت بهذا الارتفاع الكبير في الأسعار، ما جعلها تتجه الى دعم عدد من السلع الغذائية، وكان آخرها الرز وحليب الاطفال، وتثبيت اسعار سلع اخرى أساسية كالدقيق والوقود، على رغم ارتفاع تكاليفها على المستوى العالمي، اضافة الى زيادة اعانة الشعير والاعلاف، وتركيز الدعم على عناصر الاعلاف المركبة، تنفيذاً للاستراتيجية المقرة بهذا الخصوص، وخفض الرسوم الجمركية على عدد من السلع الغذائية والأساسية، وكذلك بحث الاستثمار الزراعي في الدول المجاورة ذات الموارد المناسبة. من جهته، أكد وزير الاقتصاد والتخطيط خالد بن محمد القصيبي في كلمة له بعنوان"مستقبل الاقتصاد السعودي نحو نموذج جديد للتنمية"، أن المرحلة الأولى من مسيرة التنمية في المملكة، ركزت على استغلال ميزة المملكة النسبية في مجال الطاقة، فجعلتها العنصر الأساسي والمحرك لعملية التنمية، أما في المرحلة الجديدة من مسيرة التنمية، فإنه يجب ان نركز على الميزة النسبية والميزة التنافسية، مبيناً أن المملكة تولي اهتماماً كبيراً للعلوم والتقنية والابتكار وتحويلها الى محرك أساسي من محركات النمو الاقتصادي. وأكد القصيبي أن المملكة ركزت في سياستها الاستراتيجية في ما يتصل بالتحديات التي نواجهها والفرص المتاحة على دمج خطط التنمية الخمسية في استراتيجية واحدة بعيدة المدى تمتد إلى 20 عاماً حتى تستطيع أن تجعل كل شيء ممكناً وقابلاً للتحقيق بشكل شمولي وجريء، اضافة الى التحول الى التركيز على قطاعات التنمية البشرية والاجتماعية، وارتفعت حصة تلك القطاعات من 38.6 الى 75.6 في المئة على مدى سبع خطط تنموية. من جانبه، قال محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي حمد السياري، إنه من الصعب التنبؤ بأرقام واضحة لمعدلات التضخم في المملكة خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً أن هناك ضغوطاً تضخمية عالمية خلال الفترة الحالية، وهذا ما يجعل من توقعاتنا لمعدل التضخم في المملكة أمر غير دقيق ومحدود. واستبعد السياري في تصريحات صحافية على هامش المؤتمر تأثر قطاع المال في المملكة بأزمة الرهن العقاري الأميركي، مؤكداً أنه"لا صحة لما ذكر عن أننا تأثرنا أو سنتأثر بالأزمة، فالقطاع العقاري لدينا لم يتأثر ووضعه آمن ومطمئن جداً". ونفى أن تكون"ساما"وضعت قيوداً على المصارف في مجال التمويل، مبيناً أن المؤسسة حددت القروض بألا تتجاوز ثلث الراتب للأفراد وهذا معروف من قبل، مؤكداً أن ذلك الإجراء تنظيمي ويهدف إلى حماية المستفيدين من القروض والبنوك ولمنع وقوع ضرر على الطرفين. وأشار إلى أن شركات التأمين المرخص لها في المملكة لا تعاني من مشكلات في السوق، خصوصاً أنها تعمل من خلال النظام الصادر لها من المؤسسة، لافتاً إلى أن المشكلة قد تكون في شركات التأمين غير المرخصة. وكان السياري أشار في كلمته أمام المؤتمر إلى أن الاقتصاد العالمي الذي شهد فترة ذهبية من النمو القوي مع احتواء التضخم نتج منه سياسات نقدية توسعية أدت الى تزايد السيولة، إذ تشير إحصاءات بنك التسويات الدولية للربع الاول من العام الحالي إلى أن نمو عرض النقود في ثلثي الدول الاعضاء في البنك يزيد على 15 في المئة، بينما يزيد في معظم بقية الاعضاء على 10 في المئة بما فيها الدول الصناعية عدا اليابان، مشيراً الى ان ارتفاع حجم السيولة خلق مناخاً ملائماً لاستفحال مشكلة ازمة الرهن العقاري في أميركا وما تبعه من ازمة في الاسواق المالية العالمية. وبيّن ان النمو الاقتصادي القوي رفع الطلب على السلع الغذائية، ما سبب طفرة في الأسعار، خصوصاً المواد الغذائية والتي تضررت منها الدول النامية خصوصا الفقيرة. وأكد السياري أن هناك عوامل اخرى أسهمت في المزيد من التضخم في العالم منها وصول الطاقة الانتاجية لحدودها القصوى، وتراجع التحسن في مستوى الانتاجية، وعدم إحراز تقدم في تحرير التجارة، اضافة الى زيادة الاجراءات الحمائية، وزاد على ذلك سياسات انتاج الوقود من السلع الغذائية التي تبنتها بعض الدول الصناعية. واشار إلى أن الارتفاع السنوي في أسعار المواد الغذائية يقدر بنحو 60 في المئة وان الزيادة في اسعار بعض انواع الحبوب تجاوزت 100 في المئة، اضافة الى زيادة اسعار عدد من السلع الاخرى خصوصاً المواد الصناعية ومواد البناء. وبين السياري ان المملكة تواجه وضعاً صعباً في سياساتها الاقتصادية، إذ تحتم الطموحات التنموية تعزيز مقومات الاقتصاد من خلال تبني سياسات مالية توسعية، مشيراً إلى أنه منذ عام 2006 بدأ الطلب على السلع والخدمات يفوق المعروض منها، ما أثر على الأسعار وبلغ معدل التضخم 2.2 في المئة، ثم ارتفع التضخم الى 4.1 في المئة العام الماضي، خصوصاً عقب تزايد وتيرة النمو الاقتصادي، ثم ارتفع حجم التضخم خلال الثلاثة أشهر من العام الحالي بمعدل 1 في المئة شهرياً ليصل الى 9.6 في المئة في شهر آذار مارس الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، لافتاً إلى أن القلق من ارتفاع التضخم لا يزال مستمراً بسبب نشاط مجموعتي السكن والمواد الغذائية المحرك الرئيسي للتضخم في المملكة. وأوضح ان مؤسسة النقد السعودية اتخذت خطوات للحد من السيولة المحلية برفع الاحتياطي الإلزامي مرات عدة، ولكن نظراً إلى هيمنة السياسات المالية على الاقتصاد فإن مراجعة أولويات الإنفاق وبرمجته ليتناسب مع القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني أصبح أمراً ملحاً.