اكد وزير المالية الدكتور ابراهيم العساف في افتتاح مؤتمر يوروموني السعودية الثالث الذي بدأت فعالياته صباح امس في فندق الفيصلية في الرياض ان الحكومة ستواصل التركيز على الانفاق وبرمجته بما يحفز نمو القطاع الخاص من خلال الاستمرار في اعطاء الاولوية لمشاريع البنية الاساسية المادية والاجتماعية والتدريب مع الحرص على الاهتمام بفعالية الانفاق وكفاءته وأوضح العساف في كلمته التي افتتح بها المؤتمر الذي حظي بحضور مالي واقتصادي كبير ان السياسة الاقتصادية السعودية حريصة على الاستقرار المالي والنقدي وانه نظرا للارتفاع الكبير في اسعار السلع الاساسية وما ادت اليه من ارتفاع في التضخم تجاوز المعدلات السائدة في العقدين والنصف الماضية ما مثل تحديا كبيرا للسياسة الاقتصادية السعودية فإن وزارة المالية تقوم بالتنسيق مع الجهات الحكومية على برمجة الانفاق في محاولة للحد من الضغوط التضخمية مع الاستمرار في تنفيذ المشاريع التنموية التي وان كان لها تأثير تضخمي على المدى القصير الا انها ومن خلال فك الاختناقات وتوسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي ستساعد في تحسين مستويات المعيشة وتحقيق التنمية المستدامة .وقال في كلمته إن الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الأساسية وبخاصة المواد الغذائية على مستوى العالم قد يؤدي إلى حدوث أزمة عالمية مالم يقم المجتمع الدولي بعمل جماعي لإدارة هذه الأزمة وتخفيف آثارها السلبية خاصةً على الدول الفقيرة والتي تعاني أصلاً من مشاكل اقتصادية جَمّة . وإن معالجة أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية يتطلّب معالجة أسبابها والمتمثلة باستخدام محاصيل غذائية لتصنيع الوقود الحيوي، والدعم الذي تقدمه الدول المتقدمة لمُزارعيها مما حَدّ من قُدرة مُزارعي الدول النامية خاصةً الفقيرة على النفاذ لأسواق الدول المتقدمة ومن ثَمَّ حد من قدرات تنمية القطاع الزراعي وخاصةً في إنتاج الغذاء إننا في المملكة ونحن نُعدّ من الدول المستوردة الصافية للغذاء نتأثر بهذا الارتفاع الكبير في الأسعار، وبدأ المواطن يلمس هذا الأثر في زيادة الأسعار بعد فترة طويلة من الاستقرار في مستويات التضخم في المملكة، ولحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على تخفيف الأعباء عن المواطنين، فقد تم إقرار الدعم لعدد مهم من السلع الغذائية كان آخرها الأرز، وحليب الأطفال واستمرار تثبيت أسعار سلع أساسية أخرى كالدقيق والوقود رغم ارتفاع تكاليفها على المستوى العالمي، ولأهمية الأعلاف في توفير المنتجات الحيوانية والألبان، فقد تمت زيادة إعانة الشعير والأعلاف وتَرَكّزَ الدعم على عناصر الأعلاف المُرَكبة تنفيذاً للإستراتيجية المُقَرة بهذا الخصوص. كما تم خفض الرسوم الجمركية على عدد من السلع الغذائية والأساسية، ويتوقع أن تسهم هذه التدابير في خفض التكاليف على المواطنين، كما يتم بحث الاستثمار الزراعي في الدول المجاورة ذات الموارد المناسبة ولعلكم استمعتم لقرارات مجلس الوزراء يوم امس في هذا الصدد وأضاف العساف: يُعقَد هذا المؤتمر والذي يُرَكّز بشكل أساسي على الجوانب المالية في ظروفٍ مالية دولية صعبة لا تخفى عليكم، ولذلك لن أدخل في تفاصيلها. ولكن يبدو أن الأوضاع في البنوك والمؤسسات المالية الكبرى والقطاع المالي بشكل عام قد بدأت في التوجه نحو الاستقرار. ولاشك أن تدخل الجهات الرقابية، خاصةً البنوك المركزية في الدول الرئيسة، كان له دور مهم في ذلك، كما أن لدخول مستثمرين دوليين بالذات المستثمرين المؤسسين وما يُدعَى بصناديق الثروة السيادية في الزيادات التي تمت في رؤوس أموال هذه البنوك والمؤسسات دورا مهما في الحصول على السيوله اللازمة. لقد كَثُرَ الحديث حول هذه الصناديق السيادية ما بين مُقَدّرٍ لدورها الإيجابي تاريخياً وفي الفترة الحالية وضرورة عدم تقييد نشاطها، وبين من يرى أنه يجب وضع قواعد ومعايير لضبط سلوك تلك الصناديق. وقد بحثت هذه الجوانب من قبل عدة جهات كان آخرها ورشة العمل التي عُقِدت الأسبوع الماضي في صندوق النقد الدولي شاركت فيها العديد من الدول بما في ذلك المملكة العربية السعودية . ولعلي في هذا الصدد أعيد التأكيد على أننا نرى أهمية عدم وضع قيود على التدفقات المالية بين دول العالم. وهذا يشمل استثمارات الصناديق السيادية والاستثمار المؤسسي سواء كانت تلك التدفقات من الاقتصادات الناشئة أو النامية للدول المتقدمة أو العكس، خاصة في الظروف الحالية التي يحتاج فيها النظام المالي العالمي إلى هذه التدفقات أكثر من أي وقت آخر. وفيما يتعلق بالمملكة، فليس لدينا حالياً صندوق ثروة سيادي لكن لدينا صناديق استثمارية وهي أهم لأنها تستثمر في المملكة (على الرغم من ادّعاء صحيفة بنيه تصدر في لندن بأن لدينا صندوقا سياديا). ومن الواضح أن هناك خلطا بين ما سبق أن أعلناه وهو إنشاء شركة للاستثمار وبين إنشاء صندوق سيادي، والشركة المُعلَن عنها هي شركة مساهمة مملوكة في البداية لصندوق الاستثمارات العامة ولكنها قابلة لدخول مساهمين آخرين، كما أنها ستستثمر داخل المملكة وخارجها حسب الفرص المُتاحة وبما يخدم في النهاية الاقتصاد الوطني، أما الصناديق السيادية فأحجامها في العادة كبيرة وتستهدف الاستثمار المباشر الخارجي وغالباً ما تأخذ درجة عالية من المخاطرة، ونحن في المملكة لم نصل إلى المرحلة من حجم الموارد التي تعطينا الاطمئنان بالدخول في إستثمارات ذات آجال طويلة أو مخاطر عالية إضافةً إلى أنه لايزال لدينا فرص استثمارية كبيرة داخل المملكة تحقق عوائد مجزية. كما أننا في كل الأحوال نُفَضّل أن نستثمر في أصول ذات عوائد مناسبة ودرجة مخاطر منخفضة خاصةً أن الأمر يتعلق باستثمارات موارد لنا شركاء فيها وهم الأجيال القادمة. وفي نفس الوقت، أود أن أعيد التأكيد على أنه لا يوجد موقف مسبق من إنشاء صندوق سيادي للمملكة. وما يحدد ذلك هو وضعنا واحتياجاتنا خاصةً ما أشرت إليه من وجود فرص استثمارية كبيرة داخل المملكة وكذلك أهمية وجود المرونة والدرجة الملائمة من السيولة في استثمارات احتياطياتنا بحكم اعتماد الإيرادات على إيرادات البترول التي تتعرّض للتذبذب . كما تحدث وزير الاقتصاد والتخطيط خالد القصيبي في كلمة جاء فيها: ومنذ كلمتي أمام مؤتمركم الموقر العام الماضي شهدت المملكة العديد من الفعاليات والمبادرات المهمة. ولعلكم تسمحون لي أن استعرض بعضها بإيجاز قبل أن ألقي الضوء على ما تنطوي عليه من مضامين واتجاهات. ولتكن البداية المنتدى الثاني للتنافسية العالمية الذي عقد في الرياض في وقت سابق من هذا العام. وهو ملتقى سنوي يجتمع له كبار الرؤساء التنفيذيين والقادة السياسيين العالميين وكوكبة مختارة من المثقفين وأساتذة الجامعات الذين يجمع بينهم اهتمام مشترك بالتنافسية العالمية. وقد تحدث أمام المنتدى خبراء من ذوي القامة العلمية المرموقة، من أمثال البروفيسور مايكل بورتر، من جامعة هارفارد. وقد تزامن مع منتدى التنافسية مؤتمر نظمته في جدة الرابطة العربية لاقتصاد المعرفة تحت عنوان: "نحو اقتصاد المعرفة" لتعزيز الاقتصادات القائمة على المعرفة في العالمين العربي والإسلامي". وارتباطاً بمحور اقتصاد المعرفة ودوره في تعجيل التنمية واستدامتها نظَّمت المملكة في شهر مارس من هذا العام، المعرض الأول للابتكارات السعودية تحت شعار "الابتكار في خدمة التنمية". ومن ناحية أخرى، فقد جاء الإعلان عن إنشاء جامعة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في "ثول" القريبة من جدة، ليضيف خطوة إلى الخطوات الكبرى التي ظلت تخطوها المملكة نحو إرساء دعائم ومقومات اقتصاد قائم على الاستخدام الموسع لأحدث منجزات العلوم والتقنية ومجتمع معرفي. وكما سبق أن أعلن فقد تعاقدت جامعة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مع مائة خبير عالمي للعمل في مجال بحوث الدراسات العليا، ونأمل أن تكتسب الجامعة بهذا التوجه طابعاً عالمياً هي في أمس الحاجة إليه. وبالإضافة لذلك فقد شرعت المملكة في إنشاء ثماني جامعات جديدة تتخصص في المجالات العلمية والتقنية الحديثة، وستكون تلك الجامعات بعون من الله وتوفيقه على نفس المستوى الأكاديمي الرفيع الذي تتميز به جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران وجامعة الملك عبد العزيز في جدة وجامعة الملك سعود في الرياض. وهناك أيضاً "برنامج نوبل" بجامعة الملك سعود، والذي يتم في إطاره توجيه الدعوة للعديد من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل لقضاء بعض الوقت مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس مما يهيئ مناخاً مواتياً ومحفزاً للإبداع العلمي والتميز الأكاديمي. ولا يفوتني في هذا السياق أن أشير إلى المعاهد المقترحة لتقنية النانو في الجامعات السعودية الكبرى والتي أولاها خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- باهتمام شخصي ودعم سخي. ولا شك في أن البرنامجين يشكلان مبادرتين مهمتين سيكون لهما أثر إيجابي ملموس بإذن الله. كذلك تمضي المملكة بخطى ثابتة في تنفيذ استراتيجيتها للعلوم والتقنية بقيادة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وأشير في هذا الصدد إلى أن الموازنة العامة لهذا العام قد رصدت نحو (8) مليارات ريال لتنفيذ المرحلة الأولى من السياسة الوطنية للعلوم والتقنية التي أقرها مجلس الوزراء الموقر قبل سنوات قليلة مضت. ولتقريب الصورة أشير إلى أن المخصصات الموجهة للبحوث والتطوير في موازنة هذا العام تبلغ ضعف مثيلتها لهذا الغرض على مدى السنوات العشرين الماضية. وقد وقعت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عقودا مع شركات إنتيل وآي بي إم وسيسكو ومايكروسوفت بشأن إطلاق مشروعات في مجال تقنية المعلومات والاتصالات وبرامج حاضنات التقنية. وتتوزع هذه المبادرات المتعلقة بالعلوم والتقنية عبر مختلف مناطق المملكة. ولا يفوتني في هذا السياق التنويه بمدينة المعرفة المزمع إنشاؤها في المدينةالمنورة. وبوسعي أن أعدد أمثلة ونماذج أخرى لمبادرات ومشروعات مشابهة، بيد أن التوجه يبدو واضحاً لا مرية فيه، وهو أن المملكة تخطو بخطى راسخة نحو بناء اقتصاد قوي قائم على المعرفة، ونحن لا نسعى لذلك كهدف في حد ذاته، بل هو وسيلة نحقق من خلالها تنمية اقتصادية مستدامة ومتسارعة الوتيرة تسهم في تحسين نوعية الحياة ورفع مستويات المعيشة لجميع المواطنين. واستأذنكم الآن أيها الاخوة في أن أقسّم ما تبقى من هذه الكلمة إلى جزءين. في الأول منهما سألقي الضوء على بعض جوانب التطور الذي حدث -بصورة متدرجة- على منهاجنا التنموي عبر العقود الماضية. أما الجزء الثاني فسيكون محاولة لتعريف وتأصيل مفهومي "المعرفة" و"اقتصاد المعرفة" وارتباطهما بديناميات التنمية الاقتصادية. وسأبدأ بإلقاء الضوء على طبيعة التطور في منهاجنا التنموي. وكما تعلمون فقد ركزت المرحلة الأولى من المسيرة التنموية على استغلال ميزة المملكة النسبية في مجال الطاقة فجعلتها العنصر الأساسي والمحرك الرئيسي لعملية التنمية. أما في هذه المرحلة الجديدة من المسيرة التنموية، فإن علينا أن نركز على كل من الميزة النسبية والميزة التنافسية. وكما تدلل التجارب العالمية فإن الميزة النسبية لا تفضي بالضرورة إلى ميزة تنافسية. وفي المقابل فإن الميزة التنافسية يمكن أن تنشأ سواء كانت الميزة النسبية - أي وفرة الموارد الطبيعية - موجودة أم غير موجودة، كما هو الحال في اقتصادات اليابان وكوريا وسنغافورة وأيرلندا. وتدلل التجارب العالمية أيضاً على أن الاقتصاد القائم على المعرفة يتسم بقدر أكبر من الميزة التنافسية. وكما هو معروف لديكم فإنه على الرغم من أن المعرفة والابتكار كانا دوما بمثابة القوة الدافعة والمحركة لتنمية المجتمعات، إلا أنهما اكتسبا أهمية بالغة على مدى السنوات العشر الماضية في أعقاب ما شهده العالم من ثورة في تقنيات المعلومات والاتصالات إضافة إلى العولمة والتقدم اللافت للنظر في علوم الحياة والمواد والطاقة. وقد أدت تلك التطورات إلى نشوء صناعات وخدمات جديدة وإلى تجديد الصناعات والخدمات القائمة. ومن ثم فإن تنافسية الدول ورفاهيتها أضحت تعتمد أكثر من أي وقت مضى على قدرتها على استحداث المعرفة واستخدامها في كافة المجالات الاقتصادية. وهو ما يفسر الاهتمام الخاص الذي ظلت توليه المملكة بكل ما يتعلق بالعلوم والتقنية والابتكار وتعميق دورها وتحويلها إلى محرك أساس من محركات النمو الاقتصادي بالمملكة. وهذا ما يفسر حرصي على استهلال كلمتي هذه بالحديث عن بعض المبادرات والفعاليات ذات العلاقة الوثيقة بالعلوم والتقنية والابتكار وتعزيز القاعدة المعرفية للاقتصاد السعودي. أما التطور الثاني في نموذجنا التنموي فيتعلق بالأهمية المتزايدة للسياسات. وأشير هنا إلى أن الموجة الأولى للنمو الاقتصادي في المملكة قد قامت على أساس استراتيجية تمثلت في تعزيز تنمية التجهيزات الأساسية والبنى التحتية للمملكة من خلال مشروعات موّلتها الحكومة. وقد أنجزنا في تلك المرحلة مشروعات ضخمة في مجال الطرق، وإنشاء المستشفيات، والمدارس، والموانئ، ومحطات تحلية المياه، والكهرباء، والاتصالات، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وقد صقلت تلك المرحلة المهارات الوطنية في إدارة المشروعات وحظيت منجزات المملكة باعتراف واسع من حيث الكفاءة والفعالية في تنفيذ مشروعات بالغة التعقيد في معظم قطاعات الاقتصاد السعودي. وفي الواقع فإن بناء مدن عالمية المستوى من نقطة الصفر في الجبيل وينبع، وطرق سريعة رائعة، وشبكات ضخمة لتوليد الطاقة وتوزيعها، وإنشاء شبكة اتصالات حديثة تغطي كافة أنحاء المملكة، وإقامة أكبر محطات لتحلية المياه في العالم، وإنشاء شركة سابك وشركة أرامكو، وغير ذلك الكثير والكثير من المنجزات، إنما تعد أمثلة لما نجحنا في تحقيقه في مجال إدارة المشروعات. أما في المرحلة الراهنة من المسيرة التنموية فإن التحدي الذي يتعين علينا مواجهته يتمثل في "إدارة تنفيذ السياسات" التي تعزز ميزتنا التنافسية بنفس القدر من الكفاءة والفعالية التي أدرنا بها المشروعات. ومن ثم فإن التحدي الذي يواجهنا هو تطوير الخبرات وصقل المهارات في مجال إدارة تنفيذ السياسات. وكما هو الحال في إدارة المشروعات فإننا بحاجة لتطوير أدوات قياس معيارية لرصد وتقييم ما نحرزه من تقدم في مجال تنفيذ السياسات وتحديد مسئوليات أكثر وضوحا تجاه تحقيق النتائج. فعلى سبيل المثال ينبغي في مجال التعليم الاهتمام ليس فقط ببناء المدارس والجامعات بل أيضاً بتطوير مختلف جوانب السياسة التعليمية من مناهج دراسية وتقنيات تعليمية ومعلمين وغير ذلك. أما محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي حمد السياري فقال في كلمته: إن النمو الاقتصادي القوي عالمياً أدى إلى تزايد الطلب على السلع المختلفة (The Commodities) مما سبب طفرة في أسعارها في عامي 2007و 2008كما ادت سياسة الدول الصناعية الرئيسية لاستخدام بعض السلع الغذائية لانتاج القود إلى تفاقم المشكلة. وقد نتج عن ذلك ارتفاعات حادة في أسعار السلع الغذائية وبالتالي ارتفعت تكلفة سلة المواد الغذائية في مؤشرات التضخم حول العالم بشكل ملحوظ خاصة في الدول النامية التي تشكل المواد الغذائية نسبة كبيرة من سلة مؤشر أسعار المستهلك فيها تتجاوز تلك التي في الدول الصناعية. لذا فإن العبء أكثر شدة في الدول النامية وخاصة على الطبقة الفقيرة في جميع الدول. والمتابع يدرك أنه نادراً ما تواجه البنوك المركزية في اداء مهامها عوامل قوية التأثير تعمل باتجاهات متضاربة، تتطلب سياسات مختلفة وقد تكون أحياناً متعارضة كما هو قائم الآن. ومما يزيد الأمر صعوبة، تضاؤل فعاليات الأدوات المتاحة لدى البنوك المركزية بسبب تطورات العولمة والانفتاح والابتكارات الحديثة في الهندسة المالية. وبينما كانت البنوك المركزية تنظر بعين القلق إلى تزايد الضغوطات التضخمية باعتبارها احدى الأولويات، بدأت أزمة فقاعة الإسكان والقروض في الولاياتالمتحدةالأمريكية مع تأثير ذلك على الأسواق والمؤسسات المالية عالمياً مما دفع البنوك المركزية لاتخاذ إجراءات استثنائية لتحقيق الاستقرار في الأسواق والمؤسسات المالية وتعزيز النمو الاقتصادي. وكانت النتيجة محدودية قدرة البنوك المركزية في الدول الصناعية على استخدام أدوات السياسة النقدية لمواجهة الضغوط التخضمية بسبب تعارض الأهداف، فبينما يتطلب التضخم سياسة انكماشية، تحتاج مواجهة أزمة الأسواق المالية إلى توفير سيولة نقدية داعمة لتحقيق الاستقرار فيها. وفي الدول النامية حيث تحظى طموحات النمو الاقتصادي بالأولوية لرفع مستوى الدخل، وخلق وظائف جديدة لخفض مستوى البطالة وتنويع مصادر الدخل وحفز الاستثمار، بدأ التضخم يتزايد. فقد ادى الطلب النشط المصاحب للنمو الاقتصادي القوي، كما في الصين والهند إلى زيادة كبيرة في الطلب على السلع في السنوات الأخيرة وارتفاع أسعارها خاصة في عامي 2007و2007م. ومع أن الطلب القوي يمثل العامل الأكبر في زيادة الضغوط التضخمية إلا أن هناك عوامل اخرى أدت إلى المزيد من الضغوط منها وصول الطاقة الانتاجية لحدودها القصوى، وتراجع التحسن في مستوى الانتاجية، وعدم احراز تقدم في تحرير التجارة بالإضافة إلى تزايد الاجراءات الحمائية. وزاد الأمر تعقيداً سياسات إنتاج الوقود من السلع الغذائية التي تبنتها بعض الدول الصناعية. وبينما يقدر الارتفاع السنوي في أسعار المواد الغذائية في أحد المصادر المتخصصة ب60% فإن الزيادة في أسعار بعض أنواع الحبوب تجاوزت 100% كما زادت أسعار السلع الأخرى بشكل ملحوظ وخاصة المعدات الصناعية ومواد البناء. وأدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة تكاليف الشحن والانتاج للعديد من البضائع. كل تلك العوامل قادت إلى زيادة الضغوط التضخيمية في الدول النامية، الأمر الذي يعني تبني سياسات انكماشية، في الوقت الذي تحرص فيه سلطات تلك الدول على تعزيز النمو من خلال زيادة الاستثمار والانفاق على مشاريع التنمية المختلفة لتنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل لخفض مستوى البطالة. ومما زاد من تقعد مهمة البنوك المركزية تضاؤل فعالية السياسة النقدية وخاصة في الدول الصغيرة والنامية ذات الأسواق المفتوحة، حيث يتوجب عليها إما مسايرة اتجاهات الفوائد عالمياً، أو التعرض للمضاربات على عملتها أو اتخاذ إجراءات إدارية للحد من حرية رؤوس الأموال مما يتعارض مع سياسة تشجيع الاستثمار وتنويع القاعدة الاقتصادية. وفي السعودية، تواجه السياسات الاقتصادية وضعاً صعباً تحتم الطموحات التنموية تعزيز مقومات الاقتصاد من خلال تبني سياسات مالية توسعية حتى وان كانت الظروف المحيطة قد تفرض وضعاً مغايراً. فبعد ان تمتع الاقتصاد في الماضي بمستوى منخفض من التضخم صاحبه نمو معتدل ومتواضع أحياناً. بدأ الاقتصاد يتجاوب مع سياسات الاصلاح الهيكلية التي تبنتها حكومة خادم الحرمين الشريفين منذ حوالي سبع سنوات حيث استمر النمو الاقتصادي في الارتفاع. ولم تظهر البوادر التضخمية نظراً لوجود فائض في الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المحلي مما ادى إلى بقاء مستوى التضخم منخفضاً. ومنذ عام 2006م بدأ جانب الطلب على السلع والخدمات يفوق المعروض منها مما أثر على الأسعار وبلغ معدل التضخم في عام 2006م حوالي 2.2% واستمر جانب الطلب في التوسع حتى اشتدت الضغوط على الموارد الاقتصادية المتاحة وبلغ معدل التضخم نحو 4.1% عام 2007م خاصة مع تزايد وتيرة النمو الاقتصادي بسبب تزايد الإنفاق الحكومي والاستثمارات الخاصة المحلية والاجنبية وما صاحب ذلك من ارتفاع أسعار السلع على المستوى العالمي وبالذات السلع الغذائية. كل ذلك أدى إلى تزايد معدل التضخم للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بمعدل 1% شهرياً ووصل إلى 9.6% لشهر مارس 2008م مقارنة بشهر مارس 2007م. ومما يزيد القلق أن المصادر التي تغذي التضخم في المملكة والمتأتية بشكل رئيس من مجموعتي السكن والمواد الغذائية ماتزال نشطة كما أن عبئها على فئات ذوي الدخل المنخفض أكثر شدة حيث يشكل الغذاء والسكن النسبة العظمى من نفقاتهم. في الجانب الآخر يحظى النمو الاقتصادي والاستثمارات الخاصة في المملكة بأهمية كبيرة لتحقيق أهداف لها أولوية قصوى، وهي خلق فرص عمل جديدة للمواطنين لخفض مستوى البطالة، وتنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد الكبير على النفط. ولتحقيق هذين الهدفين تم اتخاذ مبادرات عديدة لتشجيع نشاط القطاع الخاص والاستثمارات في العديد من المشاريع الضخمة بما في ذلك المدن الاقتصادية الجديدة ومشاريع البنية التحتية والمشاريع الصناعية الكبيرة اضافة للإنفاق الحكومي على التجهيزات والخدمات التعليمية والصحية والبلدية وغيرها. وكل هذه المبادرات الايجابية تزيد في الطلب على السلع والخدمات المحلية مما يعني المزيد من الضغوط على الأسعار. ويزيد من تعقيد الخيارات التحسن الكبير في دخل الحكومة نتيجة ارتفاع أسعار النفط مما يخلق توقعات كبيرة لدى المواطنين في زيادة الانفاق الحكومي على المزيد من المشاريع العامة والخدمات. والتي بدورها تزيد من الضغوط على المواد المتوفرة وبالتالي على أسعارها. كما اسلفت ان وجود عوامل قوية ومتضادة تضع صانعي السياسات الاقتصادية امام خيارات صعبة. ومن جانبنا في مؤسسة النقد اتخذنا خطوات للحد من السيولة المحلية برفع الاحتياطي الإلزامي عدة مرات. ولكن نظراً لهيمنة السياسات المالية على الاقتصاد فإن من مراجعة أولويات الانفاق وبرمجته ليتناسب مع القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني تصبح أمراً ملحاً. واختتم كلمته بقوله: فإن التحديات والأهداف المتعارضة التي تواجه السياسات الاقتصادية، ومحدودية الإمكانات المتورفة لصانعي السياسة على المستوى الدولي أصبحت واضحة لكل متابع. على أنه في كل الأحوال، وفي أي دولة من المهم تناغم السياسات المالية مع السياسات النقدية والسياسات الأخرى لتحقيق الأهداف الاقتصادية في إطار من الاستقرار النقدي والمالي.