لم يكن الاقتصاد السعودي بمنأى عما أصاب العالم من تأثيرات اقتصادية سالبة جراء الأزمة المالية العالمية, التي ضربت كثيرا من الاقتصاديات، لكن السعودية أثبتت أن اقتصادها لم يتعرض لتأثيرات سلبية كبيرة جراء هذه الأزمة، خاصة بعد أن استهلت عام 2011 بميزانية هي الأضخم في تاريخها، إذ إنها تفوق ميزانية عام 2010 التي وصفها الخبراء ب"الميزانية التاريخية"، والتي سجّلت إنفاقاً لم تشهده البلاد من قبل على المشاريع التنموية والقطاعات الحيوية. وشهد الاقتصاد السعودي تغيرات ايجابية كبيرة في عام 2010، لكن ورغم تحقيق معدلات نمو مرتفعة العام الماضي، إلا أن عودة الضغوط التضخمية أصبحت تمثل تحدياً أمام السياسة النقدية لتحقيق معادلة توازن انتعاش نمو الائتمان وفي ذات الوقت تلافي احتمال عودة الضغوط التضخمية إلى ما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام. وفي خضم هذا الحال عكست أرقام الميزانية المقبلة استمرار التركيز على المشاريع التنموية التي تعزز استمرارية النمو والتنمية طويلة الأجل، وبالتالي زيادة الفرص الوظيفية للمواطنين، حيث وزعت الاعتمادات المالية مع التركيز على قطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الأمنية والاجتماعية والبلدية، والمياه والصرف الصحي، والطرق، والتعاملات الإلكترونية، ودعم البحث العلمي. ورغم الأزمة الاقتصادية العالمية، ومظاهرها الواضحة على بعض الدول المجاورة، إلا أن خطط إنفاق عشرات مليارات الدولارات في مشروعات البنية الأساسية وغيرها من المشروعات لم تتعطل في السعودية، بل حتى أن الاقتصاد السعودي استمر في التحسن الملحوظ في عام 2010، وذلك بفضل أسعار النفط القوية التي حققت للسعودية فوائض كبيرة استخدم الجزء الأكبر منها في تخصيص استثمارات داخلية في قطاعات خدمية كالصحة والتعليم. وفي حين أن الدول النفطية مثل السعودية تظل في وضع يحسمه سعر النفط في الأسواق العالمية، وتأثرها بسعر العملة الأمريكية التي تربط عملتها الوطنية بها، لكن القطاعات غير النفطية شهدت نموا واضحا خلال العام الماضي، مستفيدة من خطط التحفيز الحكومية. وفيما يتعلق بسياسة المملكة المتعلقة بربط الريال بالدولار، لا يزال بعض الخبراء والاقتصاديون يرجحون أنْ يزداد الدولار الأمريكي قوّةً في العام القادم، والذي من شأنه أن يؤدي إلى اختفاء التكهنات بشأن إمكانية مراجعة السياسة المالية السعودية، لسياستها التقليدية المتمثّلة بربط الريال السعودي. ومكّن ارتفاع أسعار النفط المملكة من تعزيز أصولها الخارجية خلال العام الماضي، ففي الشهور التسعة الأولى من عام 2010م أضافت مؤسسة النقد 61 مليار ريال إلى صافي أصولها الخارجية، فارتفعت قيمتها الإجمالية إلى 1.58 تريليون ريال مسجلة أعلى مستوى لها منذ فبراير 2009م. ولم تشهد سوق المال السعودية في عام 2010 أي هزات ضخمة، بل حققت الشركات في معظمها ارتفاعا معقولا في مؤشرات أسهمها، وعلى سبيل المثال أغلق مؤشر سوق الأسهم السعودية آخر جلسة تداول له خلال العام 2010م على اللون الأخضر، حيث تمكن المؤشر الرئيسي من الإغلاق على ارتفاع محدود نسبياً، بنحو 0.06 في المائة، ليستقر في ختام الجلسة عند مستوى 6621 نقطة، مسجلاً تداولات بلغت كميتها 138.6 مليون سهم، بقيمة مالية تبلغ 3.2 مليارات ريال سعودي، موزعة على 68202 صفقة نقدية. وشهد العام الفائت بعض الغيوم الاقتصادية التي خيمت على بعض الجوانب المعيشية للمستهلكين، حيث أن من أبرز الملامح للعام 2010 اقتصاديا، عودة حمى ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية إلى الظهور مجدداً، إذ شهدت أسعار المواد الغذائية الرئيسية ارتفاعا قياسياً، بعد أن وصل مستوى التضخم عند 5.8 % خلال شهر نوفمبر الماضي. ويخشى المستهلكون عودة التسارع المخيف في معدلات التضخم بالسعودية كما حدث قبل عامين، إذ تجاوز معدل التضخم حاجز ال11 في المائة، مما دعا بعض الاقتصاديين إلى المطالبة مجدداً بضرورة التحرك لكبح جماح التضخم الذي تزامن مع استمرار معدلات النمو العالية وزيادة حدة الإنفاق الحكومي تجاه المشروعات الاقتصادية والتنموية. وقال عبدالله النعيم أحد كبار المستشارين الماليين في واحدة من الشركات الأجنبية المرخصة للعمل في السوق السعودية أن العوامل التي تدفع التضخم إلى الارتفاع في السعودية هي الإسكان والإيجارات، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية. وأضاف "ارتفاع أسعار العقارات والسلع الغذائية كان القوة الدافعة وراء ارتفاع معدل التضخم، وهناك مخاوف من تسارع معدل التضخم في 2011 بسبب النمو القوي للاقتصاد السعودي بفضل زيادة أسعار النفط، الأمر الذي يستلزم تشديد السياسات المالية وخفض المعروض النقدي لكبح معدل التضخم الذي ارتفع مجددا في أواخر العام الماضي لأكثر من 5 في المائة". وأكد النعيم ل"الرياض" أن السياسات المالية هي الأداة الوحيدة التي تستطيع كبح التضخم، متوقعاً أن يشهد العام المقبل استمرار نمو الطلب لأغراض الاستهلاك والاستثمار ولا سيما في قطاع البناء والتشييد، مما يرفع معدل السيولة وهو ما قد يشكل ضغطاً متزايداً على الأسعار خلال عام 2011. وتابع "مع التزام الحكومة ببرنامجها الاستثماري يرجح أن يبقى التضخم مثار قلق، حيث أن الاقتصاد السعودي يتمتع حالياً بنمو قوي واستثمارات ضخمة في البنية التحتية وسياسات نقدية توسعيّة، وهذا قد يغذي الضغوط التضخمية مرة أخرى. ويبقى التضخم هو الهاجس الأكبر في 2011 والتحدي الأصعب أمام السياسة النقدية، ففي حال زادت ضغوط التضخم عالمياً، وبقي الدولار ضعيفاً، واستمر الطلب القوي على المساكن، وانخفض المعروض أو كان بعيداً عن مستويات الطلب، فإن الأمر سيكون بمنزلة تحد بالنسبة للجهات الحكومية ذات العلاقة، كما ستكون كيفية الاستجابة في حال عادت ضغوط التضخم للسطح قضية رئيسية على صانعي القرار مواجهتها خلال العام المقبل.