الانسان"حقود"، والتاريخ يمده بأسباب ومبررات حقده، خصوصاً اذا اعتقد انه مظلوم، ومن أمة مظلومة، وكتابة التاريخ خصوصاً"الدراسي"مهمة جداً... فهي تثير الأحقاد والضغائن وتثير الحروب والمنازعات. وبين فرنساوألمانيا دماء وحروب وثارات قديمة وحديثة، لذا كان مشروع"كتابة تاريخ مشترك"يدرسه شباب الأمتين أشبه بالخيال، لكن إرادة صادقة لكل من الرئيس الفرنسي شيراك والمستشار الألماني شرويدر أخرجت أو انتجت كتاباً يدرسه الطلبة الألمان والفرنسيون. بدأت الفكرة بداية غريبة جداً، ففي عام 2003 وخلال اجتماع برلمان للشباب من الشعبين في برلين حضره الرؤساء شيراك وشرويدر كان الهدف البعيد وضع تاريخ لأوروبا وفق رؤية واضحة لمؤرخين من الشعبين ككتاب مدرسي مشترك لتجاوز الأحقاد والدماء وكل ما حصل من حروب، كان الجزء الأول حوى 17 فصلاً تقرر ان يدرسه طلبة السنة الأخيرة في الثانوية، نجحت الفكرة بعد ان تخطت مصاعب وعقبات كبيرة وكثيرة، وبعد ما يقارب سنتين يظهر الآن الجزء الثاني، وهكذا صار المشروع حقيقة وعرفاً ليس على نطاق الدولتين بل في العالم كتجربة رائدة، والمطلوب اليوم النسج على منواله، خصوصاً بين شعوب سبق ان تقاتلت حتى حكت وتعبت. صحيفة الليموند الفرنسية المعروفة قدمت المشروع بقلم كاترين رولو في 6-5-2006، وبعد سنتين تقريباً نشرت صحيفة ليفغارو تعريفاً بالجزء الثاني للمشروع، وليكون لطلبة السنة الأولى في الثانوية في كل من المانياوفرنسا، وليدرس الفترة ما بين 1814 - 1945، ومعلوم ان الفترة شهدت حربين عالميتين الأولى والثانية خلال قرن واحد، غير ما سبقه من حروب، تكاد لا تنتهي حتى تشتعل. وخلال الحربين الكونيتين اكتوى العالم عموماً واوروبا خصوصاً بنارها، وقدر المستشار الأميركي بريجنسكي انه قُتل خلال القرن العشرين 186 مليوناً من البشر، وهذا كثير بل كثير جداً. وككل مشروع ثقافي لا بد من وضع خطة للعمل، ولا بد من ان تلاقي صعوبات ومشكلات، وعلى الأخص حين يكون الحديث عن الحربين العالميتين وما حدث فيهما من مآس.. المدهش ان الحرب العالمية الثانية هي التي يُتَصوَّر وجود المتاعب والمشكلات حين الكتابة عنها، لكنها مرت بسلام واتفاق، لكن المتاعب برزت عند البحث في الحرب العالمية الأولى، فأثارت الكثير من النقاش، وشملت اعمال العنف الألمانية، خصوصاً ما حصل في شمال فرنسا وبلجيكا، وأخيراً توصل الباحثون من المؤرخين الى حل وسط، بحيث يسلط الكتاب الضوء على الحصار الذي فُرِض على كل من ألمانيا والنمسا وهنغاريا، ومعاناة السكان من انقطاع المواد الغذائية وبعد ذلك دار النقاش حول المقارنة بين الجمهورية الفرنسية الثالثة مع الرايخ الألماني في سياق تعريف الديموقراطية. ان الدليل نموذج جيد للمصالحة مع عدو الأمس، يصلح في بلدان كثيرة مثل بولندا وتشيخيا، كما يمكن انشاء فريق عمل الماني - بولندي مماثل. وزير التربية الوطنية في تشيخيا يدعو لتشكيل لجنة محلية، وقد اقيمت بعدما عرف بالثورة المخملية، لكن تعثرت جهودها، فدعاها للاستفادة من التجربة الفرنسية - الألمانية كما دعا للاستعانة بخبرات تلك اللجنة، لقد انتقل المؤرخون الألمان والفرنسيون الى كييف، حيث تدرس السلطات صوغ تاريخ مشترك مع روسيا، وفي سراييفو محاولة لوضع كتاب مشترك بين الصرب والكروات والمسلمين، بالتعاون مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ويظهر أن دولاً في البلقان مهتمة بالمشروع لعمل مماثل. لقد ذاع صيت الكتاب الفرنسي الالماني في آسيا، فقد عرض الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية جان بيار جوبيه ونظيره الألماني، هذا الكتاب أمام رئيس مجلس الشيوخ في العاصمة اليابانيةطوكيو وأهدياه نسخة منه، كما اثار الكتاب اهتمام المسؤولين في هذا البلد، والذي يبحث عن تسوية بين اليابان وكوريا. هذا العمل هو ثمرة جهود المستشار الألماني شرويدر والرئيس الفرنسي شيراك، وبعد مضي 60 عاماً على السلام بين ألمانياوفرنسا، حيث تجاوز البلدان مشكلات كبيرة وتفوق على غيرهما من الأمم، التي تحاربت بالأمس القريب ولم تعتبر من الدرس الألماني الفرنسي في التواضع. هذا المشروع العظيم في معناه، المتواضع في مبناه، ألا يمكن ان ننقله للعرب اليوم، فتتبناه أكثر من دولة تنسج على منواله؟ أطالب أولاً دول مجلس التعاون الخليجي بتبنيه وتشكيل لجنة لهذا الغرض، كذلك أطالب الجامعة العربية الشعبة الثقافية بدرس المشروع بهدف طرح مشروع مماثل. أطالب تركيا بدرس المشروع، كذلك أطالب ايران بدلاً من الهتاف في شوارع مكة! يا مسلمين اتحدوا، وهي تعمل مزاداً لقاتل عمر بن الخطاب والاحتفال بفرحة الزهراء. ان المشروع الفرنسي - الألماني لكتابة التاريخ، وجعله كتاباً مدرسياً جدير بتقليده وارتسام خطاه والمضي على نهجه. وهناك تجربة اخرى - قريبة - في اليابان، حيث يتم ربط الطلبة في الجامعات اليابانية بالطلبة في الصين، للتخاطب عبر دائرة فيديو، فهذه وسيلة او مقدمة لكتاب مشترك فهل من مجيب؟! * باحث وكاتب عراقي.