أتمنى أن يقرأني الكل هذا الصباح بعين العقل لا بعين الحماس وعشق الاحتفال، لاسيما أن الكتابة مزيج من الأفكار، وكثير من الخطأ والصواب نتيجة اجتهاد بحت. كنت أتنقل على - غير العادة - بين مجموعة قنوات فضائية يعمل البحث اليدوي الالكتروني على وجودها لأقف تحديدا ًعند واحدة منها وهي تعيد حفلاً تكريمياً لشخصية لم ألمحها باكراً، وذلك ما دفعني للتوقف لأتعرف على شخصيات لم يتسنَ لي أن أعرفها أو أنها لم تأخذ من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة استحقاقها، كما لم تعط تقديراً شرفياً لجهودها قبل أن تموت، في مجتمع اتسعت أطرافه وتباعدت فيه الأرقام الاستثنائية الباهرة - وربما قلت - وان تذكرناها بتكريم تذكرناها متأخرين! استمعت للخطب الرنانة، وسيل القصائد الطويلة، وشاهدت كماً هائلاً من الدروع والهدايا، فضلاً عن التغطية المتعبة لقناة يبعد مركزها عن مكان الحفلة مسافة بعيدة ولكن - كما سمعت - كان كل شيء يهون في سبيل تكريم من يستحق، المفاجأة أن هذه الاستعدادات والتجهيزات الكبيرة وأناشيد الفرح في مساء التكريم كانت تتويجاً لإنسان حاله كحالنا، إلا انه شارك في برنامج جماهيري ورفع رأس الجميع وشرف الحاضر والغائب، كما يقول من احتفلوا به. مشكلتنا هي تضخيم الظهور في أي محفل، ومشكلتنا الأكبر أننا لا نزال نعتبر أشياء مخجلة كالمشاركة في برنامج تلفزيوني مدعاة للافتخار، ولو فتحنا المجال لإقامة احتفال لكل من يشارك أو يدعى في برنامج إذاعي أو تلفزيوني للزمنا وقتاً إضافياً عن ساعات اليوم، مع قنوات خاصة بالتكريم، وإلقاء القصائد المنبرية الحماسية الملتهبة، في مجتمع يعشق القصيد من الوريد إلى الوريد، ويتفاعل معه شريطة أن يتوافق مع المزاج والوجع. كنت أود حين توقفت للمشاهدة أن أسعد بانجاز يستحق ويرتفع بالدين والوطن، أو أن أشاهد علامة فارقة في العصامية والصبر والوصول لنجاح لم يتحقق للأقران زماناً ومكاناً، كأن الجميع في وسط التكريم - الغريب - بلا تقاسيم حزن، أو واجبات ضمير، وباحثون عن الابتسامة والبهجة حتى ولو كانت مصطنعة، كنت أتمنى أن أشاهد تكريماً لجيل متفوق صاعد، أو مخترع شاب قادم، أو لإنسان حقيقي أقسم ألا تنحدر دمعة أم بليت ذات مساء بسجن ابن حين أخرجه من الزنزانة، أو مخلص استقطب شباباً تائهاً لا يعرف الطريق إلى منزله إلا مع سويعات الصباح حين لم يجد عملاً وساعده، كنت أحلم أن افتح القناة نفسها وهي تذرع المسافات جيئة وذهاباً لأشاهدها وهي تحتفل بمنجز لمعوق رفع علم بلاده أو حقق انتصاراً لذاته. نحن الخاسرون جراء كل هذا الضجيج الذي نخلفه لأبنائنا، حين لا يستطيعون التمييز بين إنجاز اختراع للبلد، أو المشاركة في قناة فضائية، ونحن الذين نسهم بكل إمكاناتنا التي نهدرها بكسر الشوك في الأيدي لكل الناجحين الحقيقيين من أبناء البلد، حين نشترط للتكريم حضوراً ببرنامج تلفزيوني ونأتي بأفراد بسيطين لنبرزهم بشكل قد لا يرضونه لأنفسهم ولا يقبلونه... نشاهد كل يوم مستحقاً للتكريم - كما يرى قومي ? وهنا علامات تعجب، ولو كنا مددنا يد المساعدة لأناس أكثر احتياجاً لكنا في المستوى الأعلى للأجر والذاكرة، بدلاً من أن نحفر أسماءنا في منتصف درع تذكارية وضميرنا يعرف أن هناك خطأً ما. [email protected]