تحت رعاية سمو ولي العهد.. انطلاق أعمال المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار في الرياض    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    مدير المنتخب السعودي يستقيل من منصبه    مسرحية كبسة وكمونيه .. مواقف كوميدية تعكس العلاقة الطيبة بين السعودية والسودان    بحضور وزير الثقافة.. روائع الأوركسترا السعودية تتألق في طوكيو    وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    الأرصاد: انخفاض ملموس في درجات الحرارة على أجزاء من شمال ووسط المملكة    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    «كل البيعة خربانة»    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يرى في وصاية الفقهاء على الشؤون السياسية "مهلكة" ... وينفي أن يكون ضد التيار الديني لأنه جزء منه . محمد عبداللطيف آل الشيخ : الإرهاب خرج من "عباءة" الصحوة ... ويجب فرض الحداثة ولو بالقوة
نشر في الحياة يوم 29 - 04 - 2008

قسماته الهادئة لا تخبر بلهيب مكنونه، تسكنه ثورات لا حدود لها، قدره المشاكسة والمناكفة، لا يرضيه الحل الوسط، ويجد في قلمه متنفساً من براكين تكاد حممها تتقاذف هنا وهناك.
جده هو الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وعلى رغم ذلك فهذا الانتماء لم يكبله بل منحه انطلاقة أكبر، ودافع عن الدعوة الوهابية ورأى انها دعوة تحمل في طياتها بناء عقدياً خالصاً لا دخل للسياسة فيها فيقول:"هي تسعى ببساطة الى تصحيح علاقة العبد بربه، وتنقية هذه العلاقة من اية شركيات، دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ترفع شعار"العقيدة أولاً"، ويرى أن الصحويين استغلوها لتمرير مشروعهم السياسي من خلال تحميلها مالا تحتمل. لذا يدعو للتفريق بين الوهابيين والصحويين وعدم الربط بينهما، لأن لكل طرف اتجاها مخالفاً.. في حديثه ايضاً يدعو الى دولة المجتمع المدني والوقوف في وجه أي مشروع للدولة الدينية، لأن ذلك دعوة للكهنوتية ولا كهنوتية في الاسلام. ويشدد على ضرورة تسارع الخطى في المشروع الاصلاحي، الذي ابتدأ منذ أيام المؤسس الملك عبدالعزيز، الذي فرض الحداثة والمدنية في جنبات البلاد، بل اضطر احياناً للقوة لفرضها، رغبة منه في اللحاق بركب العالم المتطور ونبذ التخلف والرجعية التي تعوق كل تنمية بشرية. محمد بن عبداللطيف آل الشيخ كمثقف وكاتب صحافي يرى أن الاصلاح والتغيير يتمان من خلال المثقفين أولاً، ثم يأتي السياسي ويستخدم سلطاته ومهاراته في تمرير مثل تلك المشاريع الاصلاحية.
يفاجئنا ضيفنا برأيه حول خسائرنا من العرب والمشكلات التي جلبوها لنا في بلادنا سياسياً واقتصادياً ويدعو الى تقديم المصالح قبل كل شيء ومد الايادي أكثر لأميركا لأجل النهضة والحضارة.
كعادة محمد آل الشيخ اينما حل حرفه تصحبه الاثارة دائماً، يختلف معه البعض ويصفق له البعض الآخر، ونحن هنا على الحياد نحاول جلياً أن نقتنص هذه الفرصة ونزيح الستار عن كثير من القضايا فليس كل مرة تتاح الفرصة للالتقاء بشخصية كاتب جريء ومثقف مثل محمد آل الشيخ... الى تفاصيل الحوار:
دعني أسألك أولاً عن الكتابة... ماذا تعني لك؟
- تعني أنني أتنفس وأعيش وأؤثر وأتأثر، الذي يمر على الحياة ولا يكون فاعلاً ومؤثراً فيها - أي فعل - هو اقرب ما يكون للانسان الميت عملياً وان كان حياً، هذا ما تعني لي الكتابة باختصار.
يقال انك تبحث عن الاستفزاز، وانك حاد في كتاباتك وفي حواراتك مع الآخرين؟
- الاستفزاز والحدة صفتان يختلف تقديرهما من شخص الى آخر، فما تجده انت ضرباً من ضروب الحدة قد اجده غير ذلك وكذلك الأمر بالنسبة للاستفزاز، أنا كاتب رأي وأكتب في القضايا الفكرية والاجتماعية وأحياناً في السياسة، وانا ممن يؤمنون ايماناً تاماً بأن الكتابة نوع من أنواع المرافعة في محكمة التاريخ.
ومن اجل ان تكسب قضاياك يجب ان تؤمن ايماناً كاملاً بالحقيقة التي تقول: الخط المستقيم هو اقرب مسافة بين نقطتين، وما تسميه انت حدة هي بالنسبة إلي ذلك الخط المستقيم الذي لا يلف ولا يدور ولا يتعرج وانما يتجه بكل استقامة كالسهم نحو غايته، أما الاستفزاز فهو حجة من لا حجة له، فأنت عندما يستفزك الرأي الآخر، الذي يختلف معك ولا تتقبله بصدر رحب، وعلى افتراض حسن النية فالمشكلة فيك وليست في الكاتب.
ازمة المصطلح الديني
وماذا عن صراعك مع من تسميهم انت"الصحويين"او"التيار الديني"في المملكة؟ ألا تجد حرجاً وانت تنتمي الى اسرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؟
- أولاً يجب ان نحدد المصطلح بشكل جلي، أنا لا يمكن ان اكون ضد التيار الديني لأنني ببساطة جزء من هذا التيار، والدولة التي أنتمي اليها تقوم شرعيتها على تحكيم الشريعة وانما ضد الصحويين تحديداً وعلى سبيل الحصر. وهناك فرق بين المصطلحين، كلنا مسلمون وكلنا متدينون، اما اولئك الذين يجعلون من الدين وسيلة أو مطية لتحقيق غايات سياسية او سلطوية فأنا ضدهم وبشراسة ايضاً.
خذ الظاهرة الصحوية خلال عقدين واسأل نفسك: ماذا جنينا من هذه الظاهرة؟ لا شيء غير الارهاب والتطرف وعداء الآخر والدم والقتل والتدمير والتفجير والتخلف وإعاقة التنمية، صحيح ليس كل صحوي ارهابي ولكن كل ارهابي هو صحوي في الاساس. الارهاب خرج من تحت عباءة الصحوة وكل زعماء"القاعدة"في الاساس صحويون قبل ان يكونوا ارهابيين.
وماذا عن دعوة جدك الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعلاقتها بالصحوة؟
- دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب دعوة دينية عقدية، وفي القضايا الفقهية تتبع المذهب الحنبلي كما هو معروف، وهي تسعى ببساطة الى تصحيح علاقة العبد بربه، وتنقية هذه العلاقة من اية شركيات، دعوة الشيخ محمد عبدالوهاب ترفع شعار"العقيدة أولاً"بينما الصحويون يرفعون شعار"السياسة أولاً".
و"الوهابية"في نظريتها السياسية وخلال كل تاريخها منذ ان قامت وحتى الآن، تعطي الطاعة حصراً لولي الأمر صاحب البيعة، وعندما تبايع يصبح"الانشقاق"ضرباً من ضروب الخيانة والغدر، بل وكبيرة من الكبائر.
بينما في الظاهرة الصحوية لا يهتمون كثيراً بطاعة ولي الأمر قدر اهتمامهم بالسياسة وعلى رأسها تكريس وغرس المفاهيم الثورية، فهم ينتقون - مثلاً - من المفاهيم العقدية ما يخدم اهدافهم السياسية او ما يؤدي الى تغذية"الثورة"على حكومات بلدانهم، لذلك نجد ابن لادن ? مثلاً ? والذي هو نموذج للصحوي الخالص، لا يحفل بالقضايا العقدية ولا يهتم الا بالشق الذي يخدم تجييش الانسان المسلم على الغرب، وعلى الانظمة العربية الحاكمة، وابن لادن بالمنطق السني المحض او ان اردت بالمعايير الوهابية هو: نازع يداً من طاعة أي انه سيموت ميتة جاهلية بحسب الحديث.
هذه المفاهيم او سمها الثوابت ان اردت لا يحفل بها الصحويون لأنها في النتيجة عائق في طريق الثورة على الانظمة الحاكمة لذلك فابن لادن لو اتى في زمن غيفارا - مثلاً - لأصبح ثورياً ماركسياً بامتياز لأن الهدف الثورة والسلطة، أما الاسلام والتذرع به فليس الا مطية مجرد وسيلة ليس الا.
الخوارج والصحويون
ولكن أبا محمد المقدسي صاحب كتاب"ملة ابراهيم"منهل الصحويين الأخطر، كان يعتمد في كثير من آرائه على نقولات ومفاهيم ابناء وتلاميذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب؟
حتى الخوارج قبل الصحويين كانوا - ايضاً - يعتمدون على الكتاب والسنة، ويدّعون انهم يتمسكون بها ومع ذلك يصفهم اهل السنة بالمارقين، وهذا الكتاب أعني"ملة ابراهيم"هو كتاب انتقائي بحت ابتسر مؤلفه بعض الأقوال ونزعها من سياقاتها، وبالذات سياقاتها الزمنية والسياسية ثم أسقطها على زمن وواقع آخر، فانتهى الى فيروس التكفير الذي عاث فينا وفي المسلمين فساداً وذبحاً وفتنة وقلاقل ما زلنا نعاني منه حتى الآن.
لا يمكن ان تفهم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الا اذا قرأتها في ظروف زمنها اولاً ومن خلال نظريتها السياسية ثانياً، والتي تتكئ وتتمحور حول طاعة ولي الأمر، الانشقاق عند الوهابيين يهد المنظومة الفكرية لهذه الدعوة من ألفها الى يائها، فإذا حيدت نظرية الطاعة السياسية فأنت تحيد العامل الأساس الذي لا يمكن ان يستقيم فهمك لهذه الدعوة الا من خلاله.
والمقدسي حيد هذا العامل في كتاباته، واجتزأ بعض الأقوال والمفاهيم واخذ الفرع وترك الجذع وألصقها في الدعوة الوهابية، وهي منه براء في رأيي إذ إن فقهاء دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب او"الوهابية"ان اردت هم بناة وحماة دولة، والصحويون دعاة ثورة وهدم وتخريب، ومن هنا تستطيع ان تلمح بوضوح التباين الجلي بين الصحويين والوهابيين.
هل تعتبر"الصحوية"محسوبة على"الإخوان المسلمين"مثلاً؟
- كي أكون دقيقاً، هي خليط من مذهب ومدارس واتجاهات عدة، العامل المشترك فيها: الثورة والتمرد... أخذوا من"الإخوان المسلمين"الأسلوب الحركي العصري، والروح الثورية التمردية، وانتقوا من التراث الإسلامي، بما فيه أقوال علماء الدعوة الوهابية، ما يخدم أغراضهم السياسية الثورية.
فالمد الصحوي كتنظيمات، وأسلوب استدلال، أخذ طريقة الإخوان المسلمين ذاته، وبالذات"الإخوانية القطبية الحركية"على وجه التحديد، ثم جرى إثراؤها فكرياً بطريقة انتقائية من جميع التراث الإسلامي لتواكب المستجدات. خذ - مثلاً - فكرة إباحة الانتحار الذي أسموه الاستشهاد.
هذه فكرة محدثة تماماً، استحدثوها ليبيحوا للثوار الإسلامويين في النتيجة قتل النفس أو الانتحار، واعتبروا هذه الممارسة نوعاً من أنواع الجهاد، وأغفلوا الفكرة الأهم والتي تم عليها إجماع فقهاء المسلمين ومؤداها يكمن في أساسين لا يمكن إغفالهما أبداً: أولهما أن الانتحار حرام بشكل قطعي. وثانيهما أن الجهاد لا ينعقد إلا بموافقة الإمام، الذي هو في التعريف العصري الحكومة أو من يملك قرار إعلان الحرب. أغفلوا شرط إعلان الحرب من جانب الحكومة بحجة أن الحكومات كلها غير شرعية، أو أنها كافرة، فنسفوا الأساس الذي يقوم عليه شرط الجهاد لغاية تنتهي بتثوير دين الإسلام، وجعل قرار الجهاد بلا مرجعية محكمة، فأصبح قراراً شخصياً يحق لأي مسلم أن يتخذه بحسب تقديره واجتهاده الشخصي. تمييع من يتخذ قرار الجهاد أساس من أسس الاتجاه الصحوي.
الدولة الكهنوتية
في إحدى المعارك الثقافية التي شاركت فيها كانت عن"الدول المدنية"و"الدولة الدينية"سؤالي: هل ما زلت عند رأيك المناهض للدولة الدينية؟
- هناك فرق بين الدولة الدينية، ودولة المجتمع المدني التي تستمد من الشريعة الغراء أنظمتها وقوانينها.
أنا ضد الأولى ومع الثانية. الدولة الدينية في المصطلح السياسي هي الدولة الكهنوتية التي عرفتها أوروبا في العصور المظلمة. وهي الشكل المماثل تماماً للحكومة الإيرانية التي أسسها الخميني في إيران حكومة الولي الفقيه، إذ يتولى الفقهاء الحكم، ويتراجع المدنيون إلى الوراء، إلى دور الرعية المرعية.
وصاية الفقهاء على الشؤون السياسية، من دون المدنيين، هي ممارسة كهنوتية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وعندما أقف ضدها فبسبب أن كل المسلمين السنة، وأولهم الفقهاء غير المسيسين، ضدها أيضاً. فلا كهنوتية في الإسلام...
أعرف أن هناك بعض الصحويين يطمح إلى تمرير آلية الولي الفقيه إلى الثقافة السياسية السنية وفرضها على غرار النموذج الإيراني، من خلال أساليب وطرق ملتوية، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، فلا كهنوتية في الإسلام.
وهذه ? بالمناسبة ? إحدى الأسس التي أسستها وكرستها الدولة السعودية في حقبها الثلاث، إذ يتولى المدني المتخصص السلطة السياسية، ويبقى الفقيه قاضياً ومفتياً وواعظاً وداعماً للاستقرار السياسي والاجتماعي، منذ الحلف التاريخي بين محمد بن سعود السياسي وبين محمد بن عبدالوهاب العالم الفقيه وحتى الآن.
كتبت كثيراً عن ضرورة التجديد ومواكبة العالم المتحضر... كيف؟
- أي دولة معاصرة تعيش في عصرنا الحاضر لا يمكن أن تبقى - فضلاً عن أن تتطور وتلبي حاجات الناس في مختلف المجالات - إلا بالتنمية الاقتصادية، هذه حقيقة لا يمكن القفز عليها. ودولتنا منذ أن لم شملها القائد المؤسس الملك عبدالعزيز اتخذت من التطوير والتحديث منهجاً وديدناً لها.
ومثل أي فكرة تحديثية اعترض في البداية أساطين الجمود والتحجر من بعض الفقهاء أو من يدور في فلكهم، وحاولوا وضع العراقيل في وجه الكثير من الممارسات التحديثية، غير أن الملك عبدالعزيز استطاع أن يفرض التطوير ويرسخ أسس الحداثة، حتى اضطر في بعض الأحيان إلى القوة المسلحة لفرض الحداثة كما في معركة السبلة.
هذه حقيقة يؤكدها تاريخ المملكة. وهذه الممارسة التي بدأها أب السعوديين هي في تقديري شرط ضرورة للبقاء، إذا تخلينا عنها فقل علىنا السلام. ومشكلتنا أن هناك بعض الأصوات المحافظة، بعضهم عن قصد، وبعضهم عن سذاجة، يحاولون وضع العراقيل في طريق التحديث، ثم يربطون ذلك بالشريعة، لتصبح مخالفة ما يقولون وكأنها مخالفة لشرع الله، الذي تقوم على تحكيمه شرعية البلاد.
مثل هذه المحاولات الإعاقية المتخلفة، والتي يمارسها البعض الآن، مارسها آخرون في الماضي، وباءت بالفشل. ونحن، كدولة قامت على التوحيد وكمنبع الإسلام وكمقر الحرمين الشريفين، معنيون أكثر من غيرنا بتطوير وتجديد الشريعة لتصبح التجربة السعودية نموذجاً يحتذى لغيرنا من البلاد الإسلامية... من دون تجديد، ومن دون مواكبة، ومن دون أن نستفيد من تجارب غيرنا ممن سبقونا حضارياً، لا يمكن أن نحقق الغايات التنموية التي يتوقف عليها بقاؤنا. هذا هو رأيي بمنتهى الاختصار، وبحسب ما يسمح به الحيز هنا.
المرأة عندنا حالة متفردة
دعنا ننتقل إلى محور آخر، المرأة السعودية وحقوقها وتحريرها من العادات والتقاليد، أحد أهم اهتماماتك، كما يظهر ذلك جلياً في مقالاتك. ألا يختلف ذلك مع التوجه الوهابي؟
- لا إطلاقاً. المرأة كانت فاعلاً رئيسياً في الاقتصاد السعودي المحلي قبل اكتشاف البترول. هذا ما يقوله تاريخنا القريب. كانت المرأة تعمل، وتبيع وتشتري في الأسواق، وتمتطي وتقود الدواب التي كانت وسائل المواصلات آنذاك، وتشارك في المجتمعات الزراعية، وتمارس كل المهام في المجتمعات البدوية الرعوية. بل إنها شاركت في قيادة المعارك الحربية في الدولة السعودية الأولى، من خلال امرأة خالدة في تاريخنا اسمها"غالية البقمية"كما يقول تاريخنا المثبت من مصادر عدة وهزمت جيش طوسون باشا في حملته الأولى على الدولة السعودية، ولم ينكر قيادتها للجيوش،"وليس للسيارة"، أحد من علماء الدعوة الوهابية آنذاك...
ما يحصل الآن، هو ظاهرة عرضية، لا علاقة لها بالحلال والحرام قدر علاقتها بالعادات والتقاليد. وأملنا في قائد الصلاح والإصلاح الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يعيد للمرأة حقوقها، ويخلصها من هذه العادات والتقاليد المحدثة، والتي لا علاقة لها بالدين قدر علاقتها بتزمت العادات والتقاليد.
يا أخي من المخجل أن هناك أكثر من 190 دولة في العالم نساؤها يقدن السيارات، ويعملن في الأسواق، ويشاركن في كل مظاهر النشاط الاقتصادي والاجتماعي، بينما هناك دولة واحدة في العالم تحرم نساءها من هذه الحقوق. والسؤال: هل يعقل أن كل الناس في مشارق الأرض ومغاربها غلط ونحن فقط على صواب؟
تقف بكل قوة ضد فكرة منع الاختلاط بين الرجال والنساء، وتصر على أنها كفكرة لا علاقة لها بالإسلام، سؤالي: هل هناك من يسمع؟
- أنا كاتب مهمتي أن أكتب، وأقول ما أنا مقتنع به... وتأكد أن الكلمة -أمضى على المدى الطويل - من أي سلاح.
الاختلاط كمصطلح هو مصطلح حديث وليس مصطلحاً سلفياً بالمناسبة، فليس له أي سند فقهي في التراث إلا إذا حاولت أن تلوي عنق الدلالة.
ولا افهم بصراحة معايير القبول والرفض بالنسبة إلى هذا الاختلاط، ففي الوقت الذي يحرمون عمل المرأة مع الرجل، يبيحون لها أن تركب السيارة مع السائق الرجل، والسؤال: أليس هذا اختلاط أيضاً، فلماذا الكيل بمكيالين؟
ثم ما الذي يمنع المرأة من أن تبيع في الأسواق، ويسمح للرجل، على رغم أن المرأة تدخل المحل وتشتري لوازمها من الرجل، وهذه بحسب معاييرهم اختلاط، فلماذا لا تكون المرأة هي البائع والرجل الزبون أي العكس، طالما أن الاختلاط حاصل حاصل؟... قضية الاختلاط قضية هلامية، لا يسندها نص، ولا يحكمها منطق. مجرد تناقضات، وأسئلة لا تجد إجابة. هذا كل ما هنالك.
هل تعتقد أن وضع المرأة في المملكة في تحسن؟
- نعم، فهناك قرارات اتخذت أخيراً في اتجاه نيل المرأة لحقوقها الإنسانية، وما زلنا نطمح للمزيد. وأملنا في الملك عبدالله كبير، وهو أهل لتحقيق ما نطمح إليه. الأمر الآخر أننا جزء من العالم، نتأثر به مثلما نؤثر فيه، ومن يظن أننا نستطيع أن نعيش في معزل عن العالم، كما هم دعاة الخصوصية، فهو أبعد ما يكون عن الموضوعية، وفهم العالم المعاصر، فالعلم اليوم أصبح أشبه ما يكون بقرية كونية.
نحتاج إلى سنوات من أجل
إعادة ترتيب سلّم الانتماءات
أنت من دعاة المجتمع المدني قبل الديموقراطية. هنا يبدو الجدل كما لو أنها أحجية البيضة أم الدجاجة... أليس كذلك؟
- إذا كانت التجربة العلمية خير برهان، فلديك ثلاث تجارب عربية ديموقراطية لم تحقق فيها التنمية بمفهومها الواسع. أول هذه التجارب لبنان الذي لا يعرف الاستقرار، وتتجاذبه مصالح الطوائف، فالطائفة هناك، والانتماء إليه، تتقدم على الوطن. وها هو لبنان لا ينتهي من أزمة إلا ويدخل في أخرى، والسبب غياب المجتمع المدني كثقافة عند اللبنانيين.
الكويت بدأت فيها الديموقراطية منذ أوائل الستينات، والمشهد الكويتي الآن يشير بكل وضوح إلى فشل التجربة الديموقراطية، في حين أن هناك تجارب تنموية أخرى مثل تجربة الإمارات - مثلاً - حققت على المستوى التنموي أضعاف ما حققته الكويت من دون ديموقراطية على رغم التماثل الثقافي والجغرافي والديموغرافي والاقتصادي بين البلدين. السبب في تقديري أن بناء المجتمع المدني، الذي يعتمد على الارتقاء بالإنسان، وتكريس التنمية البشرية كأولوية مطلقة، هو شرط ضرورة لنجاح الديموقراطية.
المجتمعات العربية ما زال يتجاذبها عاملان إما الانتماء القبلي أو الانتماء الطائفي، أما الوطن فهو شعور يأتي ربما بعد هذين الانتماءين.
وفي تقديري أننا في حاجة إلى سنوات من أجل إعادة ترتيب سلّم الانتماءات، ليصبح الانتماء إلى الوطن له الأولوية المطلقة على الانتماء القبلي أو الطائفي. وهذا لا يمكن تحقيقه، ومن ثم تكريسه، إلا من خلال صناعة إنسان جديد، لا علاقة له بالإنسان التقليدي. هذا الإنسان هو الذي سيفرض الديموقراطية حتماً، ويحميها بوعيه، مثلما هو الإنسان في المجتمعات المتقدمة.
ولعل العراق هو أحدث التجارب على فشل الديموقراطية في منطقتنا. وهذا ليس رأيي وإنما هو رأي الأميركيين أيضاً، الذين جاؤوا ليفرضوا الديموقراطية، فاكتشفوا أنهم حوّلوا العراق إلى زجاج مهشم، من الصعب إعادة جمعه في كيان موحد من جديد، وأرجو من كل قلبي أن أكون مخطئاً.
هل هذا يعني أنك تظن أن العراق الواحد الموحد بات أمنية مستحيلة؟
- نعم، أظن أن هذه هي الحقيقة للأسف الشديد. العراق يتكون من طوائف وقبائل وإثنيات، تماماً مثلما كان الاتحاد اليوغسلافي أيضاً. العراق شئنا أم أبينا سينتهي إلى المآل ذاته الذي انتهت إليه يوغسلافيا. وهذا يعني أن العراق الموحد، ومهما كانت الأمنيات، والطموحات، هو حلم بعيد المنال. هذه الحقيقة التي يجب أن نتعامل معها بواقعية.
المثقف والسياسي
في مقال لك بعنوان"العربة وليس الحصان"حملت الثقافة مسؤولية التخلف وليس السياسة. أليس هذا المقال من قبيل مسح الجوخ؟
- لا، اطلاقاً... دعني أشرح لك، السياسي دائماً وأبداً يتصرف بحسب متطلبات الحكم والبقاء في السلطة، فيتواءم في الغالب مع ما يريده المحكومون، صحيح أن هناك بعض القادة غيروا مجرى التاريخ، وقادوا شعوبهم إلى قفز المراحل، غير أن السياسي في الغالب لا يملك عصا موسى، كما أن هؤلاء القادة الذين فرضوا على شعوبهم التغيير فرضاً هم قلة في تاريخ الإنسانية، وكان في جوارهم مثقفون أيضاً.
الثقافي هو المعني قبل السياسي بتغيير العقول، فالسياسي لديه ما يخسره، لذلك فثمن المغامرة التي يتطلبها التغيير بالنسبة إليه قد يكون باهظاً، بينما المثقف ليس لديه ما يخسره مقارنة بالسياسي، ولو قرأت تاريخ الذين غيروا مسيرة الشعوب تجدهم المثقفين وليسوا السياسيين، خذ أوروبا ? مثلاً ? مارتن لوثر هو الذي أشعل التغيير الثقافي في الغرب، والتحرر من القيود والأغلال، نعم كان تغييره في المجال الديني، غير انه أوقد جذوة التنوير في ما بعد في المجالات كافة.
مارتن لوثر في تقديري هو الذي مهد في ما بعد لبزوغ فجر الحضارة المعاصرة بقضها وقضيضها وكل ما وصلت إليه، كل ما أردت أن أقوله في ذلك المقال الذي أثار ردود فعل غاضبة أن التغيير يبدأ من الناس، من قناعاتهم، من تغيير نظرتهم، هذا التغيير سيفرض نفسه حتماً على السياسي في نهاية المطاف.
هل أنت متفائل بالمستقبل؟
- أنا بطبيعتي متفائل هذا من حيث المبدأ. وكل المؤشرات تؤكد أن تيار التشدد الصحوي الذي أعاقنا تنموياً هو في انحدار وانحسار، وتيار التنوير والمعاصرة في تقدم وازدهار. وهذا قبل أن يكون مجرد تفاؤل بالمستقبل، هو حتم تاريخي لا يمكن لكائن من يكون أن يقف في وجهه. هكذا علمنا التاريخ.
دعني أسألك عن كتاباتك في زاويتك في صحيفة"الجزيرة". بدأت مرة في الأسبوع، والآن ثلاث مرات في الأسبوع، لماذا، وهل يعني ذلك أن الجرعة وجدتها لا تكفي؟
- الكتابة الدورية تحتاج إلى لياقة وطول نفَس، مثل هذه القدرات تحتاج إلى تدريب، ومتابعة، وقراءة، وتجربة، وأي كاتب عندما يبدأ يكتب تجده يتلمس طريقه، فيتعثر تارة، ويصيب أخرى، حتى يعرف كيف يصل إلى قارئه، وكيف يطرح وجهة نظره.
وقد علمتني الكتابة المنتظمة أن الكتابة والقراءة صنوان، فالذي لا يقرأ ولا يتابع لا يمكن أن يكون كاتباً ذا شأن.
أول ما بدأت كانت الكتابة تستغرق مني وقتاً طويلاً، وأحياناً أكتب وأمزق، وأعود لأكتب موضوعاً جديداً، الآن أكثر مقالاتي لا تستغرق مني في الغالب ساعة أو أقل، إلا إذا كان الموضوع يحتاج إلى بحث وتوثيق، والكتابة أكثر من مرة في الأسبوع اقترحها رئيس تحرير"الجزيرة"خالد المالك، ووجدت أن لياقتي تسمح لي فقررت الموافقة.
ومتى ستلقي القلم؟
- عندما لا أجد لدي جديداً أقوله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.