تخضع قضايا الثقافة والأدب والإعلام في رأي رئيس تحرير مجلة"الإعلام والاتصال"الناقد حسين بافقيه إلى حركة الزمان والمكان والتحولات السريعة، التي تشهدها الساحة السعودية عموماً. وفي حوار مع"الحياة"يطرح بافقيه جُملة من الآراء والأفكار النقدية حول أدب الشخصيات والرواية السعودية والقصيدة الحديثة وواقع الأندية الأدبية بعد التغييرات التي حدثت أخيراً، وتجربته في رئاسة تحرير أكثر من مطبوعة، وما يجده في كتابات النقّاد الجدد، من خلال الشبكة العنكبوتية أو الصحافة، وكيف يمكن للنقد أن يسهم في قراءة ظاهرة معينة، أحدثت ضجة فكرية ككتاب الشيخ عائض القرني"لا تحزن"أو ضجة شعبية ك"مزايين الإبل". هنا نص الحوار: بداية لنتحدث عن تجربتك السابقة في رئاسة تحرير مجلة"الحج والعمرة"؟ - هي تجربة مثيرة ومفيدة أعتز بها كثيراً، وتستحق مني على الأقل تدوين وقائعها، وبفضل الله استطاعت المجلة في تلك الحقبة بمؤازرة حقيقية من وزير الحج في تلك المرحلة إياد مدني وزير الثقافة والإعلام حالياً أن تخطو المجلة خطوات ضخمة... يكفي أن نشير إلى الأسماء المهمة جداً التي كتبَتْ في المجلة والفضاء المفتوح الذي انطلقت منه مجلة اسمها"الحج والعمرة"ذات واجهة دينية، ولكنها استطاعت أن تكون مجالاً كبيراً ومفتوحاً لكل الأسماء الثقافية والفكرية من أنحاء الوطن العربي، بل والعالم اجمع، واستكتبت جملة من ألمع الوجوه التي ما كان ليظن وللوهلة الأولى أن تكتب في مجلة اسمها"الحج والعمرة". وماذا عن تجربتك الآن في رئاسة تحرير مجلة"الإعلام والاتصال"؟ - في الحقيقة هي التجربة الأقرب إلى اهتماماتي لأنها تُعنى بقضايا الإعلام والثقافة، واستطعنا ألا نظلم الثقافة، ما دمت مهتماً في الأساس بالثقافة والثقافة الأدبية خصوصاً، فهي إذاً جزء من الاهتمام اليومي وامتداد لمستوى تجربتي الصحافية وتعميق للخبرة لعنايتها بالمسائل الإعلامية، الحديث منها والقديم، وتتصل كذلك اتصالاً وثيقاً بالحراك الثقافي والأدبي، استطعنا على مدار عام أن ننشر لأبرز الأدباء والمثقفين السعوديين من قصائد وقصص قصيرة ولوحات تشكيلية وأعمال مسرحية، وعقدنا مجموعة من الحوارات المفيدة والثرية. من خلال تجربتك الصحافية في رئاسة تحرير أكثر من مطبوعة، كيف ترى المجلات الثقافية في السعودية؟ - تجربة المجلات الثقافية في السعودية تجربة ثرية جداً، ومنذ القدم كانت مجلة المنهل وهي من المجلات العريقة في العالم العربي، وكذلك المجلة العربية والفيصل وسواها من المجلات. الملاحظ الآن أن هناك طفرة حقيقية في المجلات الثقافية وثورة عن طريق الأندية الأدبية، كل نادي يصدر على الأقل مجلة، وهناك عدد من الأندية أصدر مجلتين أو ثلاثاً تُعنى بحقول مختلفة. المجلات السعودية تعطي مؤشراً حقيقياً على الحراك الثقافي الضخم والمتجدد. الساحة السعودية الآن لم تعد ساحة عجوزاً وإنما هي ساحة شابة تضخ كل يوم، استطيع أن أقول بلا مبالغة، أسماء كثيرة من الشبان والشابات الذين يكتبون في الصحف والمجلات، والذين أصبحوا كذلك يستقلون بأنفسهم عن طريق مدونات الانترنت وغيرها، فهي ساحة شابة بعكس الكثير من الساحات الثقافية والأدبية العربية، إذ لا تستطيع الأجيال الجديدة أن تتجاوز الأجيال التي قبلها. من هنا تأتي قيمة المجلات الثقافية السعودية، سواء كانت مجلات ورقية تقليدية أو مجلات الكترونية، وأتصور أن ما حدث في مجلات الأندية الأدبية هو دلالة على مدى هيمنة الخطاب الأدبي في السعودية، وان كان هناك كذلك بعض المؤشرات التي تعطي دلائل على ولادة خطاب فكري ملتهب ومتجدد في السعودية وله نماذج في بعض المجلات، لعل من ضمنها مجلة الخطاب الأدبي التي تصدرها جمعية اللهجات والموروث الشعبي في جامعة الملك سعود، وهي تُعنى بالتراث الشعبي وتُعنى في الوقت نفسه بالخطاب الفكري الأحدث، ولا ننسى كذلك مجلة"النص الجديد"التي أنشأها عدد من الأدباء والمثقفين من أبرزهم علي الدميني قبل ما يزيد على عقد من الزمان، وكانت تعنى بالخطاب الأدبي وبالخطاب الفكري في آن واحد. دعنا ننتقل إلى النقد الأدبي، فهناك من يرى أن العمل الإداري شغلك عن النقد الأدبي؟ - منذ كنت معلماً، كان التعليم عملاً بإمكانه أن يشغلني عن النقد والكتابة بشكل عام. المسألة في ظني تحتاج إلى آلية معينة من المثقف والقارئ والكاتب حتى يكيّف نفسه مع مراحل عمره. بالعكس أنا أجد نفسي في صميم العمل الثقافي، سواء في مجلة"الإعلام والاتصال"أو في صحيفة"أم القرى"، وأمارس الآن عملاً ثقافياً وما اعتاش عليه يكون ملتصقاً برؤيتي الثقافية والأدبية. الإيقاع الحياتي السريع اليوم اخرج لنا كتابات نقدية وأدبية غير متأنيّة، سواء في الصحافة الورقيّة أو في المنتديات الثقافية على"الانترنت"، هل هناك استسهال في الكتابة في نظرك؟ - يشكو طه حسين في إحدى مقالاته مرَّ الشكوى من سطوة الصحافة على الأدباء والكتّاب، وان الصحافة أصابت الأدب بالسهولة والاستعجال كما علّق توفيق الحكيم على الأدباء الشبان في وقته، حين كانوا يكتبون أكثر مما يقرأون، وان عدداً منهم كان يكتب 11 شهراً ويقرأ شهراً. أخشى ما أخشاه أننا الآن في زمن أصبحت الكتابة تشغل الكاتب 12 شهراً، وقد لا يجد فرصة لكي يقرأ في ظل هذه الهرولة والسرعة، هذا في ما يتعلق بالصحافة الورقية، فما بالك بالكتابة الالكترونية الآنية التي جَدّت على الخطاب الأدبي والثقافي في العالم كله في العقدين الأخيرين، تُكتَب في الوقت نفسه ويقرأها آلاف في اللحظة نفسها. طبيعي أن تكون هناك كتابات عجلة في الصحافة بشكل عام، لأنها لا تنتظر الكتابة المختمرة الهادئة، وطبيعي أن نجد أيضاً الكتابة اللاهثة والمستعجلة على شبكات"الانترنت"، لأن هذا هو الإيقاع الثقافي الجديد. لكن ألا تمثل الكتابة الأدبية الالكترونية بإيقاعها الحالي بلاغة جديدة؟ - هذا صحيح فالكاتب يجري على كتابته ألواناً من التحديث في أية لحظة من اللحظات يشاؤها، لان الكتابة الالكترونية اقرب ما تكون إلى النص المفتوح والمتجدد والشبكي والمتشعب كما يسمى في النقد الالكتروني، وهو شكل من أشكال النقد الجديد، لكننا بلا شك في الأخير نخضع للمقولة القديمة ? البقاء للأفضل والأصلح ? حتى لو تعددت الأشكال الكتابية، وهذا لا يتعلق فقط بالأدب في ذاته وإنما بالكتابة الفكرية عموماً. فالذي يصلح للبقاء هو ما يتطلبه الناس وما يجدّون في البحث عنه، حتى لو مرّت عليه سنوات أو عقود. هل تعني أن ما كُتب في السابق ما زال مقروءاً إلى اليوم في رأيك؟ - إذا أخذنا الروايات السعودية مثالاً فسنجد أن بعضها وعلى قِدمِها النسبي ما زالت مقروءة ومطلوبة، وبعض الروايات التي صدرت منذ سنة أو أقل من سنة وأثارت لغطاً وبلبلة إعلامية ما عاد كثير من القراء يلتفتون إليها. وهذه مسألة مهمة فالقراءة الأدبية لها شروطها، ونحن نعلم أن هناك علماً من العلوم الاجتماعية والنقدية يسمى علم اجتماع الأدب، ومن أهم خصائصه، هو رصد ردود الفعل القرائية حول كتب بعينها. وكيف يمكن أن نرصد ذلك؟ - علينا أن ننظر الى مقدار ما حققه هذا الكتاب من طبعات وأرباح وكيف تم توزيعه؟ وأين موقعه في أرفف المكتبات والمعارض الدولية للكتاب؟ وهي مسائل مهمة تتصل بالأجواء المحيطة بالنص أكثر من إحاطتها بالنص نفسه، واذكر على سبيل المثال كتاب الشيخ عائض القرني"لا تحزن"، والذي تُرجم الى غير لغة، وما حققه من أرباح ضخمة ونسخ كبيرة بلغت مليوني نسخة. لا يمكن أن نمر على أمثال هذه الحقائق والأرقام مرور الكرام، أو أن نسخر من هذه الظاهرة لأنها لا تبعث على السخرية، وإنما تبعث على مزيد من التأمل، كيف لكتاب بعينه أن يحقق هذه الطبعات والانتشار الواسع لذا ينبغي أن نقف وقفة جادة، نرصد فيها الأسباب ونقرأ الأجواء ونتعرف على السياقات الاجتماعية والفكرية والسياسية والدينية، لأن هذه المسائل تعتبر جديدة على الثقافة السعودية، بل أظن أنها جديدة على العالم العربي. والذي نطلبه من الدارسين والباحثين في العلوم الاجتماعية والنقد الأدبي وعلوم المكتبات، هو مزيد من التأمل والبحث في بروز ظاهرة معينة وخفاء ظاهرة أخرى. ماذا يحتاج النّقاد الجدد اليوم؟ - القراءة المعمّقة في حقول مختلفة وبذل الجهد وبالذات في كتب الأصول. وأنا لا أتصور أن هناك ناقداً في الأدب العربي لا يكون قد أكبَّ بركبتيه على كتب النحو واللغة والبلاغة والنقد الأدبي. وإذا أتيحت له الفرصة كي يقرأ في مجالات مختلفة في التاريخ والفلسفة وأصول الفقه كلها في النهاية، ستؤتي ثمارها في ما يكتبه وفي ما يقرأ من نصوص أدبية. لا يوجد في تراثنا الأدبي علم قائم بذاته يسمى علم النقد، وإنما الناقد هو في الأساس نحويٌ أو بلاغيٌ أو متكلم أو فيلسوف، فإذا أخذنا مثلاً الآمدي نجده نحوياً وعبدالقاهر الجرجاني صاحب الدلائل كان نحوياً أيضاً، وقدامة بن جعفر كان الفيلسوف والمتكلم، وحازم القرطاجني كان فيلسوفاً وابن سلام الجمحي كان رأساً من رؤوس مدرسة البصرة النحوية، حتى في عصرنا الحديث فإن كبار النقاد في العالم كله جاؤوا من حقول مختلفة والناقد الانكليزي ريتشارد كان متخصصاً، إضافة إلى النقد في علم النفس، رولان بارت كان يدرّس في مدرسة العلوم الاجتماعية في باريس، وباشلار كان فيلسوفاً. أريد أن اخلص الى أن الناقد الأدبي ينبغي أن يكون واسع الثقافة، وأن يكون محيطاً بجملة من القراءات الواسعة التي ستترك أثرها بينا واضحاً على ما يتعاطاه من كتابة نقد النقد، أو نقد النصوص الأدبية. أنت من المهتمين بأدب الشخصيات وعلى اطلاع واسع برموز الأدب السعودي، والتفاصيل الدقيقة عن معظمهم، كيف ترى أثر الشخصية فيك؟ وهل تسعى إلى توثيقها في كتاب؟ - أهتم بالشخصيات في سياق البحث عن المكونات الثقافية والفكرية والأدبية في السعودية، واهتم بتلك الأسماء لما قامت به من مهام فكرية وأدبية وثقافية ريادية، مثل اهتمامي بعبدالله عبدالجبار ومحمد سرور الصبان أو حمد الجاسر أو عبدالله بن إدريس وغيرهم، وينصب ذلك في أدوارهم الثقافية، التي قامت بها هذه الشخصيات، وطبعاً أنا أوثق هذه الأعمال، سواء التي نشرت في الصحف أو ما ألملم أطرافه في الوقت الحاضر، لكي اصدر بعضاً من الكتب التي تتعلق بالثقافة والأدب في السعودية. وبلا شك فإن هذه الشخصيات قد أثرت فيّ تأثيراً كبيراً، مثل الصبان أو محمد حسن عواد أو حمد الجاسر أو حمزة شحاتة ولا يمكن أن أنسى اثر الأستاذ عبدالله عبدالجبار في تكويني الثقافي وبخاصة انني تعرفت عليه منذ سنوات طويلة، وأعجبت بشخصيته وكنت أتردد على بيته من حين الى آخر، واشعر بأنني امام تراث بكامله وبقيمة أفكاره، التي قدمها في كتبه ومقالاته ومحاضراته، واجد انه تحول الى نموذج حي وفذ، ينبغي لكل المثقفين المنتمين الى الحركة الثقافية الجديدة أن يلتفتوا الى عبدالله عبدالجبار والى أمثاله من المثقفين الكبار، الذين أعدهم ثروة حقيقية لوطننا وقيمة مهمة تضاف الى الثقافة العربية الحديثة. كيف هي علاقتك بالنص المعاصر من شعر ورواية وقصة، خصوصاً بعد"تسونامي"الرواية؟ - أتابع واحرص على مستوى الاهتمام الشخصي، أن تكون في مكتبتي كل الأعمال السعودية الجديدة وبالذات الروايات، طبعاً لا استطيع أن أقرأ خمسين رواية تصدر في سنة واحدة، ولكنني اهتم ببعض الأعمال التي اشعر بأن هناك جدلاً حولها أو إشادة بها وأطالع أعمالاً مختلفة، سواء للسعوديين أو الكتاب العرب أو الكتب المترجمة. ونحن في السعودية نمر بطفرة روائية حقيقية ليس لها نظير في الوطن العربي بكامله، ونعيش الآن بلا جدال زمن الرواية، حتى لو لم يكن لبعض الأعمال الروائية السعودية من قيمة لكفى أنها هزّت المسكوت عنه من قيم وأفكار. هل نعد هذا الكمّ من الإصدارات، 50 رواية تقريباً في العام، ظاهرة صحية في رأيك؟ - هي بلا شك ظاهرة صحية كسرت الكثير من التابوهات والحواجز، وأشعرت المواطن السعودي والعربي الذي يطالع هذه الأعمال في دور النشر العربية، أن السعودية مجتمع متوثب ويضج بالأفكار المتناقضة والمتضادة، التي أتصور انها ستكون متصالحة في يوم من الأيام. ولكن لا ينبغي لنا أن نحيّد القيمة الأدبية، بل نوسع مجال الفحص والقراءة، ونرجع الى ما ذكرته سابقاً عن علم اجتماع الأدب الذي يُعنى برصد هذه الظواهر، فهذه الروايات وغيرها من الأعمال الفكرية والثقافية وما تنتجه دور النشر العربية هي جديرة بأن يسلط عليها الضوء من نواح غير أدبية. يعني أن تدرس دراسة أكاديمية شاملة، نبحث فيها عن الخصائص العمرية لهؤلاء الكتاب، شبان وشابات، وعن الخصائص الثقافية والفكرية والجغرافية وعن الخبرة الأدبية أيضاً كلها أسئلة مشروعة ينبغي أن يلتفت إليها الباحثون، وفي ظني أن عدداً كبيراً من هذه الأعمال لا تستحق الإشادة من الناحية الفنية. بعد مرور عامين على تشكيل مجالس إدارة الأندية الأدبية، كيف تراها الآن؟ - أنا أعتقد أن الأندية الأدبية منذ تحررت من مجالسها القديمة حلّت كثيراً من المشكلات. قد لا ترضينا بعض الفعاليات الثقافية في هذا النادي أو ذاك، لكن طبيعة المؤسسات الأدبية والثقافية تفرض هذا الشيء. يعني جزء من حراك التجمعات الفكرية والثقافية يفرض هذه المشكلات التي نطالعها حيناً بعد حين في صحافتنا ونقرأ عنها، وقد تثير فينا شيئاً من الدهشة ولكن هي جزء من الحراك الثقافي وجزء من شكل التجمعات، أي شكل فيه تجمع ومجموعة من الأفكار لا بد أن يأتي هذه الثمار التي قد لا ترضي المثقف المثالي، الذي يبحث عن النموذج الكامل وهو لا يوجد إلا في خيالاتنا. هل ستحلّ الجمعيات العمومية في الأندية الأدبية معضلة اختيار أعضائها؟ - أعتقد ذلك، وسيكون للأندية الأدبية استقلالها الكامل، ومنذ تأسيسها قبل أكثر من 30 عاماً هي نواة لمؤسسات مستقلة عن قبضة المؤسسة الرسمية. بمعنى أنها تدير مشكلاتها ونشاطاتها بنفسها وهذا ليس جديداً، وإنما تنص عليه لوائح الأندية الأدبية منذ إنشائها في 1395ه، أتصور أن الجمعيات العمومية بإمكانها أن تحلّ الكثير من المشكلات، وتصبح تبعة، ومسؤولية اختيار الأسماء على كاهل الجمعيات العمومية.