جماد، وحيوان، ونبات وإنسان... لعبة مسلية كنا وما زلنا نتسلى بها أحياناً حين نستعيد بعض ذكريات طفولتنا، ولست هنا بصدد شرح اللعبة، وإنما لتسجيل ملاحظة أن إنسان الغرب اكتشف ذاته وقدراته وهواياته، اجتهدوا كثيراً في العمل في مجال تطوير ذاته من أجل رقيه وخدمة وطنه ومجتمعه بالمزيد من العلم والمعرفة ليبدع في تطوير مجتمعه. ورقي حياته وإنسانيته... ونحن نبدو عكس ذلك إلى حد بعيد، إذ نكاد أن نهمل رقينا الإنساني، نهتم بالماديات التي نركز على اقتنائها والتنافس في ذلك للتباهي والتفاخر! صرنا نركز جهودنا على كل ما هو جماد، نتفنن في الأشكال الهندسية والفنية لتصاميم العمائر والبيوت الكبيرة المبهرة حتى لو كانت حاجاتنا لما هو أقل مساحة من المنزل الكبير، الذي يظل نصف غرفه خالياً لمحدودية عدد الساكنين فيه! كما انصب اهتمامنا على اقتناء أفخم أنواع السيارات، وأحدث الأدوات الالكترونية من جوالات وأجهزة كومبيوتر، وكاميرات مراقبة، وقيام بعضنا بإساءة استخدام التقنيات التي أنتجت لمصلحة الإنسان وخدمته تسهيلاً للتواصل بين إفراد مجتمعه وبين المجتمعات الأخرى، وأصبحت الجوالات من ذوات الكاميرات هاجس خوف لكل أسرة تحتفل بزفاف ابنتها لأن بعضهم يجدها فرصة تُختلس بها الصور لتسريبها عن حفلة الزفاف من دون إذن أو علم العروس وأهلها وأهل العريس، ما قد يؤدي إلى مشكلات قد تدمر الأسرة الجديدة! وإذا نظرنا إلى حال المدارس نكتشف أن أساليب التدريس في الكثير منها عقيمة لا تجذب الطلاب، لذلك نجدهم يهربون خارج الأسوار، وفي مجال مهنتي الطب والتمريض نجد أن الفهم المتخلف لقيمتهما المهنية والإنسانية يبعد عن هاتين المهنتين الكثيرات من فتياتنا المتفوقات في التحصيل العلمي خوف العنوسة عند الالتحاق بمهنة الطب أو التمريض، على رغم حاجاتنا الملحة للطبيبات والممرضات السعوديات. وفي مناسبات الأفراح كالزفاف أصبح الهم الأول إبهار الضيوف بمظاهر البذخ لمجرد سماع التعليقات عن الثراء والتكاليف الباهظة والتي تنفق على الأطعمة الغريبة، وفستان الزفاف المطرز بالألماس والمستقدم من بيروت بالبريد الممتاز، وجلب مزينة من الخارج خصيصاً لتزيين العروس ثم ينفض العرس، وتواجه الأسرة الجديدة من أول يوم من شهر العسل عبء الديون الثقيل، لمجرد محاكاة الآخرين ولسان الحال يقول هؤلاء ليسوا أفضل!. حتى الموت تناسينا رهبته وأخذنا نقيم البوفيهات لتقديم طعام العشاء، والمفترض ان يكون صدقة على روح الفقيد أو الفقيدة وأصبحت مناسبة الموت والعزاء فرصة عند الكثيرات للاستعراض بالزينة والماكياج الذي يميل للبياض، مع لبس مخصص من الدار المشهورة وتوزيع كتيبات ربطت بعناية بجوار سبحة معطرة برائحة العود ! أما عن المربيات فحدث ولا حرج، لأن المربيات والعمالة المنزلية أصبحت الشرط الأساسي لكل منزل في طور الإنشاء، بل ومن شروط الزواج الكثيرة التي تنصب جميعها على الشكليات، وأصبحنا نحن نستقدم مربيات ليس لضرورة المنزل إنما للمباهاة والمفاخرة، وأصبح بعضهم يستقدم مربية لكل طفل، تكون المسؤولة عن صحته وعن دراسته وعن كل شيء يخصه ليتضاءل دور الأم بعد ان انحصر دور الأب في توفير المال! لقد ركزنا على كل ما هو جماد لا علاقة له برفعة الوطن، فتحولنا إلى مستهلكين نملأ الأسواق بتكديس الحقائب والأحذية والفساتين وكل الكماليات التي قد لا تستخدم سوى مرة واحدة ... إن التوازن مرغوب في تحقيق المطالب، ولكن بدرس ما هو ضروري ولازم بعقلانية، لكي نكون أكثر تركيزاً على الإنسان، فهو الغاية من تطور المجتمعات، وهو وسيلة هذا التطور. [email protected]